وأية استحالة في هذا المحو والاثبات حتى يحتاج إلى التأويل والتكلف وإن لم تظهر الحكمة فيه لنا لعجز عقولنا عن الإحاطة بها مع أن الحكم فيه ظاهرة: (1) منها أن يظهر للملائكة الكاتبين في اللوح والمطلعين عليه لطفه تعالى بعباده و إيصالهم في الدنيا إلى ما يستحقونه فيزدادوا به معرفة.
ومنها أن يعلم بإخبار الرسل والحجج عليهم الصلاة والسلام أن لأعمالهم الحسنة مثل هذه التأثيرات في صلاح أمورهم، ولأعمالهم السيئة تأثيرا في فسادها فيكون داعيا لهم إلى الخيرات صارفا لهم عن السيئات فظهر أن لهذا اللوح تقدما على اللوح المحفوظ من جهة لصيرورته سببا لحصول بعض الاعمال فبذلك انتقش في اللوح المحفوظ حصوله فلا يتوهم أنه بعد ما كتب في هذا اللوح حصوله لا فائدة في المحو والاثبات.
ومنها أنه إذا أخبر الأنبياء والأوصياء أحيانا من كتاب المحو والاثبات ثم أخبروا بخلافه يلزمهم الاذعان به، ويكون ذلك تشديدا للتكليف عليهم، تسبيبا لمزيد الاجر لهم كما في سائر ما يبتلي الله عباده منه من التكاليف الشاقة وإيراد الأمور التي تعجز أكثر العقول عن الإحاطة بها، وبها يمتاز المسلمون الذين فازوا بدرجات اليقين عن الضعفاء الذين ليس لهم قدم راسخ في الدين.
ومنها أن يكون هذه الأخبار تسلية من المؤمنين المنتظرين لفرج أولياء الله وغلبة الحق وأهله كما روى في قصة نوح على نبينا وآله وعليه السلام حين أخبر بهلاك القوم ثم أخر ذلك مرارا، وكما روي في فرج أهل البيت عليهم السلام وغلبتهم، لأنهم عليهم السلام لو كانوا أخبر والشيعة في أول ابتلائهم باستيلاء المخالفين وشدة محنتهم أنه ليس فرجهم إلا بعد ألف سنة ليئسوا ورجعوا عن الدين. ولكنهم أخبروا شيعتهم بتعجيل الفرج، وربما أخبروهم بأنه يمكن أن يحصل الفرج في بعض الأزمنة القريبة ليثبتوا على الدين ويثابوا بانتظار الفرج كما مر في خبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه.