إن شاء الله، فانصرفت من عنده مسرورا بما عرفته، مبتهجا بما أوتيته، حامدا لله على ما أنعم به علي، شاكرا لأنعمه على ما منحني بما عرفنيه مولاي وتفضل به علي، فبت في ليلتي مسرورا بما منحنيه، محبورا بما علمنيه.
تم المجلس الأول ويتلوه المجلس الثاني من كتاب الأدلة على الخلق والتدبير والرد على القائلين بالاهمال ومنكري العمد برواية المفضل عن الصادق صلوات الله عليه وعلى آبائه.
قال المفضل: فلما كان اليوم الثاني بكرت إلى مولاي فاستؤذن لي فدخلت فأمرني بالجلوس فجلست، فقال: الحمد لله مدير الادوار (1) ومعيد الأكوار طبقا عن طبق و عالما بعد عالم ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، عدلا منه تقدست أسماؤه وجلت آلاؤه، لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون يشهد بذلك قوله جل قدسه: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، في نظائر لها في كتابه الذي فيه تبيان كل شئ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ولذلك قال سيدنا محمد صلوات الله عليه وآله إنما هي أعمالكم ترد إليكم. ثم أطرق هنيئة ثم قال: يا مفضل الخلق حيارى عمهون سكارى في طغيانهم يترددون، وبشياطينهم وطواغيتهم يقتدون، بصراء عمي لا يبصرون، نطقاء بكم لا يعقلون، سمعاء صم لا يسمعون، رضوا بالدون وحسبوا أنهم مهتدون، حادوا عن مدرجة الأكياس، ورتعوا في مرعى الأرجاس الأنجاس، كأنهم من مفاجأة الموت آمنون وعن المجازات مزحزحون، يا ويلهم ما أشقاهم وأطول غناءهم وأشد بلاءهم يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون إلا من رحم الله.
قال المفضل: فبكيت لما سمعت منه، فقال: لا تبك تخلصت إذ قبلت، ونجوت إذ عرفت، ثم قال: أبتدئ لك بذكر الحيوان ليتضح لك من أمره ما وضح لك من غيره.
فكر في أبنية أبدان الحيوان وتهيئتها على ما هي عليه، فلا هي صلاب كالحجارة ولو كانت كذلك لا تنثني ولا تتصرف في الاعمال، ولا هي على غاية اللين والرخاوة فكانت