بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٩١
لا تتحامل ولا تستقل بأنفسها، فجعلت من لحم رخو تنثني، تتداخله عظام صلاب، يمسكه عصب وعروق تشده ويضم بعضه إلى بعض، وغلفت (1) فوق ذلك بجلد يشتمل على البدن كله، ومن أشباه ذلك هذه التماثيل التي تعمل من العيدان (2) وتلف بالخرق وتشد بالخيوط ويطلى فوق ذلك بالصمغ (3) فيكون العيدان بمنزلة العظام، والخرق بمنزلة اللحم، والخيوط بمنزلة العصب والعروق، والطلا بمنزلة الجلد، فإن جاز أن يكون الحيوان المتحرك حدث بالاهمال من غير صانع جاز أن يكون ذلك في هذه التماثيل الميتة، فإن كان هذا غير جائز في التماثيل فبالحري أن لا يحوز في الحيوان.
وفكر بعد هذا في أجساد الانعام فإنها حين خلقت على أبدان الانس من اللحم والعظم والعصب أعطيت أيضا السمع والبصر ليبلغ الانسان حاجته، فإنها لو كانت عميا صما لما انتفع بها الانسان، ولا تصرفت في شئ من مآربه، ثم منعت الذهن و العقل لتذل للانسان فلا تمتنع عليه إذا كدها الكد الشديد وحملها الحمل الثقيل.
فإن قال قائل: إنه قد يكون للانسان عبيد من الانس يذلون ويذعنون بالكد الشديد وهم مع ذلك غير عديمي العقل والذهن، فيقال في جواب ذلك: إن هذا الصنف من الناس قليل، فأما أكثر الناس فلا يذعنون بما تذعن به الدواب من الحمل والطحن وما أشبه ذلك، ولا يغرون بما يحتاج إليه منه، (5) ثم لو كان الناس يزاولون مثل هذه الاعمال بأبدانهم لشغلوا بذلك عن سائر الأعمال، لأنه كان يحتاج مكان الجمل الواحد والبغل الواحد إلى عدة أناسي فكان هذا العمل يستفرغ الناس حتى لا يكون فيهم عنه فضل لشئ من الصناعات، مع ما يلحقهم من التعب الفادح في أبدانهم، والضيق والكد في معاشهم.
ايضاح: مدير الادوار لعل فيه مضافا محذوفا أي ذوي الادوار، أو الاسناد مجازي

(1) وفي نسخة: وعليت فوق ذلك.
(2) جمع العود وهي الخشب.
(3) أي يلطخ فوق ذلك بالصمغ.
(4) وفي نسخة: فإنها لو كانت عما صما.
(5) وفي نسخة: ولا يعزون بما يحتاج إليه منه.
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309