بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٨٦
فكر في هذه الأشياء التي تراها موجودة معدة في العالم من مأربهم، فالتراب للبناء، والحديد للصناعات، والخشب للسفن وغيرها، والحجارة للأرحاء (1) وغيرها، والنحاس للأواني، والذهب والفضة للمعاملة، والجوهر للذخيرة، والحبوب للغذاء، والثمار للتفكه، واللحم للمأكل، والطيب للتلذذ، والأدوية للتصحيح، والدواب للحمولة، والحطب للتوقد، والرماد للكلس، والرمل للأرض، وكم عسى أن يحصي المحصي من هذا وشبهه، أرأيت لو أن داخلا دخل دارا فنظر إلى خزائن مملوة من كل ما يحتاج إليه الناس ورأي كل ما فيها مجموعا معدا لأسباب معروفة لكان يتوهم أن مثل هذا يكون بالاهمال ومن غير عمد؟ فكيف يستجيز قائل أن يقول هذا في العالم وما أعد فيه من هذه الأشياء.
بيان: التفكه: التنعم. الكلس بالكسر: الصاروج. قوله عليه السلام: للأرض أي لفرشها.
اعتبر يا مفضل بأشياء خلقت لمأرب الانسان وما فيها من التدبير فإنه خلق له الحب لطعامه، وكلف طحنه وعجنه وخبزه، وخلق له الوبر (2) لكسوته فكلف ندفه وغزله ونسجه، وخلق له الشجر فكلف غرسها وسقيها والقيام عليها، وخلقت له العقاقير لأدويته فكلف لقطها وخلطها وصنعها، وكذلك تجد سائر الأشياء على هذا المثال، فانظر كيف كفي الخلقة التي لم يكن عنده فيها حيلة وترك عليه في كل شئ من الأشياء موضع عمل وحركة لما له في ذلك من الصلاح، لأنه لو كفي هذا كله حتى لا يكون له في الأشياء موضع شغل وعمل لما حملته الأرض أشرا وبطرا، ولبلغ به كذلك إلى أن يتعاطي أمورا فيها تلف نفسه، ولو كفي الناس كل ما يحتاجون إليه لما تهنؤوا بالعيش ولا وجدوا له لذة، ألا ترى لو أن امرءا نزل بقوم فأقام حينا بلغ جميع ما يحتاج إليه من مطعم و مشرب وخدمة لتبرم (3) بالفراغ ونازعته نفسه إلى التشاغل بشئ؟ فكيف لو كان طول

(1) جمع للرحى وهي الطاحون.
(2) الوبر للإبل والأرانب ونحوها كالصوف للغنم.
(3) أي لتضجر.
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309