بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٨٧
عمره مكفيا لا يحتاج إلى شئ؟ وكان من صواب التدبير في هذه الأشياء التي خلقت للانسان أن جعل له فيها موضع شغل لكيلا تبرمه البطالة ولتكفه عن تعاطي ما لا يناله ولا خير فيه إن ناله.
واعلم يا مفضل أن رأس معاش الانسان وحياته الخبز والماء، فانظر كيف دبر الامر فيهما، فإن حاجة الانسان إلي الماء أشد من حاجته إلى الخبز، وذلك أن صبره على الجوع أكثر من صبره على العطش، والذي يحتاج إليه من الماء أكثر مما يحتاج إليه من الخبز، لأنه يحتاج إليه لشربه ووضوئه وغسله وغسل ثيابه وسقي أنعامه وزرعه، فجعل الماء مبذولا لا يشترى لتسقط عن الانسان المؤونة في طلبه وتكلفه، وجعل الخبز متعذرا لا ينال إلا بالحيلة والحركة ليكون للانسان في ذلك شغل يكفه عما يخرجه إليه الفراغ من الأشر والعبث، ألا ترى أن الصبي يدفع إلى المؤدب وهو طفل لم يكمل ذاته للتعليم كل ذلك ليشتغل عن اللعب والعبث اللذين ربما جنيا عليه وعلى أهله المكروه العظيم، وهكذا الانسان لو خلا من الشغل لخرج من الأشر والعبث والبطر إلى ما يعظم ضرره عليه وعلى من قرب منه، واعتبر ذلك بمن نشأ في الجدة ورفاهية العيش والترفه والكفاية وما يخرجه ذلك إليه.
اعتبر لم لا يتشابه الناس واحد بالآخر كما يتشابه الوحوش والطير وغير ذلك؟ (1) فإنك ترى السرب من الظباء والقطا (2) تتشابه حتى لا يفرق بين واحد منها وبين الأخرى، وترى الناس مختلفة صورهم وخلقهم حتى لا يكاد اثنان منهم يجتمعان في صفة واحدة، والعلة في ذلك أن الناس محتاجون إلى أن يتعارفوا بأعيانهم وحلاهم لما يجري بينهم من المعاملات وليس يجري بين البهائم مثل ذلك فيحتاج إلى معرفة كل واحد منها بعينه وحليته، ألا ترى أن التشابه في الطير والوحش لا يضرهما شيئا، وليس كذلك الانسان فإنه ربما تشابه التوأمان تشابها شديدا فتعظم المؤونة على الناس في معاملتهما

(1) المراد بالتشابه التشابه العرفي كما يدل عليه بيانه الآتي، وأما التشابه الحقيقي فليس منه أثر لا في الانسان ولا في غيره وقد قام عليه البرهان وساعده التجارب العلمي. ط (2) السرب - بكسر السين وسكون الراء -: القطيع من الظباء والطير وغيرها. والقطا جمع للقطاة: طائر في حجم الحمام.
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309