بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٨١
وحده كيف كانت تكون حاله؟ وكم من خلل كان يدخل عليه في أموره ومعاشه وتجاربه إذا لم يحفظ ما له وعليه، وما أخذه وما أعطى، وما رأى وما سمع، وما قال وما قيل له، ولم يذكر من أحسن إليه ممن أساء به، وما نفعه مما ضره، ثم كان لا يهتدي لطريق لو سلكه ما لا يحصى، ولا يحفظ علما ولو درسه عمره، ولا يعتقد دينا، ولا ينتفع بتجربة، ولا يستطيع أن يعتبر شيئا على ما مضى، بل كان حقيقا أن ينسلخ من الانسانية أصلا فانظر إلى النعمة على الانسان في هذه الخلال، وكيف موقع الواحدة منها دون الجميع؟ وأعظم من النعمة على الانسان في الحفظ النعمة في النسيان، فإنه لولا النسيان لما سلا أحد عن مصيبة، ولا انقضت له حسرة، ولا مات له حقد، ولا استمتع بشئ من متاع الدنيا مع تذكر الآفات، ولا رجا غفلة من سلطان، ولا فترة من حاسد، أفلا ترى كيف جعل في الانسان الحفظ والنسيان، وهما مختلفان متضادان، وجعل له في كل منهما ضرب من المصلحة؟ وما عسى أن يقول الذين قسموا الأشياء بين خالقين متضادين في هذه الأشياء المتضادة المتبائنة وقد تراها تجتمع على ما فيه الصلاح والمنفعة؟.
بيان: دون الجميع أي فضلا عن الجميع. ويقال: سلا عنه أي نسيه. وقد مضى منا ما يمكن أن يستعمل في فهم آخر الكلام في موضعين فتذكر.
انظر يا مفضل إلى ما خص به الانسان دون جميع الحيوان من هذا الخلق، الجليل قدره، العظيم غناؤه، أعني الحياء فلولاه لم يقر ضيف، ولم يوف بالعدات، ولم تقض الحوائج، ولم يتحر الجميل، (1) ولم يتنكب القبيح في شئ من الأشياء، حتى أن كثيرا من الأمور المفترضة أيضا إنما يفعل للحياء، فإن من الناس من لولا الحياء لم يرع حق والديه، ولم يصل ذا رحم، ولم يؤد أمانة، ولم يعف عن فاحشة (2) أفلا ترى كيف وفي للانسان جميع الخلال التي فيها صلاحه وتمام أمره؟.
بيان: إقراء الضيف: ضيافتهم وإكرامهم. والتنكب: التجنب. ووفي على بناء المجهول من التوفية وهي إعطاء الشئ وافيا.

(1) تحرى: طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن: أو طلب أحرى الامرين أي أولاهما.
(2) أي لم يكف ولم يمتنع عن فاحشة.
(٨١)
مفاتيح البحث: الموت (1)، الضرب (1)، الظنّ (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309