صلاح دينه ودنياه، فمما فيه صلاح دينه معرفة الخالق تبارك وتعالى بالدلائل والشواهد القائمة في الخلق، ومعرفة الواجب عليه من العدل على الناس كافة وبر الوالدين، وأداء الأمانة، ومواساة أهل الخلة، وأشباه ذلك مما قد توجد معرفته والاقرار والاعتراف به في الطبع والفطرة من كل أمة موافقة أو مخالفة، وكذلك أعطي علم ما فيه صلاح دنياه كالزراعة والغراس، (1) واستخراج الأرضين، واقتناء الأغنام والانعام، واستنباط المياه، (2) ومعرفة العقاقير (3) التي يستشفى بها من ضروب الأسقام، والمعادن التي يستخرج منها أنواع الجواهر، وركوب السفن والغوص في البحر، وضروب الحيل في صيد الوحش والطير والحيتان، والتصرف في الصناعات، ووجوه المتاجر والمكاسب، و غير ذلك مما يطول شرحه ويكثر تعداده مما فيه صلاح أمره في هذه الدار، فاعطي علم ما يصلح به دينه ودنياه، ومنع ما سوى ذلك مما ليس في شأنه ولا طاقته أن يعلم، كعلم الغيب وما هو كائن وبعض ما قد كان أيضا كعلم ما فوق السماء وما تحت الأرض وما في لجج البحار (4) وأقطار العالم (5) وما في قلوب الناس وما في الأرحام وأشباه هذا مما حجب على الناس علمه، وقد ادعت طائفة من الناس هذه الأمور فأبطل دعواهم ما بين من خطائهم (6) فيما يقضون عليه ويحكمون به فيما ادعوا علمه، فانظر كيف أعطي الانسان علم جميع ما يحتاج إليه لدينه ودنياه، وحجب عنه ما سوى ذلك ليعرف قدره ونقصه، وكلا الامرين فيهما صلاحه.
تأمل الآن يا مفضل ما ستر عن الانسان علمه من مدة حياته فإنه لو عرف مقدار عمره وكان قصير العمر لم يتهنأ بالعيش مع ترقب الموت وتوقعه لوقت قد عرفه،