على أوهامهم حتى هموا بتجربته؟ وكيف ظنوا أنه مصلحة للأجساد وهم لا يرون فيه إلا المضرة؟ أو كيف عزموا على طلب ما لا يعرفون مما لا تدلهم عليه الحواس؟ قال:
بالتجارب.
قلت: أخبرني عن واضع هذا الطب وواصف هذه العقاقير المتفرقة بين المشرق والمغرب، هل كان بد من أن يكون الذي وضع ذلك ودل على هذه العقاقير رجل حكيم من بعض أهل هذه البلدان؟.
قال: لابد أن يكون كذلك، وأن يكون رجلا حكيما وضع ذلك وجمع عليه الحكماء فنظروا في ذلك وفكروا فيه بعقولهم. قلت: كأنك تريد الانصاف من نفسك والوفاء بما أعطيت من ميثاقك فأعلمني كيف عرف الحكيم ذلك؟ وهبه قد عرف بما في بلاده من الدواء، والزعفران الذي بأرض فارس، أتراه اتبع جميع نبات الأرض فذاقه شجرة شجرة حتى ظهر على جميع ذلك؟ وهل يدلك عقلك على أن رجالا حكماء قدروا على أن يتبعوا جميع بلاد فارس ونباتها شجرة شجرة حتى عرفوا ذلك بحواسهم، وظهروا على تلك الشجرة التي يكون فيها خلط بعض هذه الأدوية التي لم تدرك حواسهم شيئا منها؟ وهبه أصاب تلك الشجرة بعد بحثه عنها وتتبعه جميع شجر فارس ونباتها، كيف عرف أنه لا يكون دواء حتى يضم إليه الإهليلج من الهند، والمصطكي من الروم، والمسك من التبت، والدارصيني من الصين، وخصي بيدستر من الترك، والأفيون من مصر، والصبر من اليمن، (1) والبورق من أرمينة، (2) وغير ذلك من أخلاط الأدوية التي تكون في أطراف الأرض؟ وكيف عرف أن بعض تلك الأدوية وهي عقاقير مختلفة يكون المنفعة باجتماعها ولا يكون منفعتها في الحالات بغير اجتماع؟ أم كيف اهتدى لمنابت هذه الأدوية وهي ألوان مختلفة وعقاقير متبائنة في بلدان متفرقة؟ فمنها عروق، ومنها لحاء (3) ومنها ورق، ومنها ثمر، ومنها عصير، ومنها مائع، ومنها صمغ، ومنها دهن، ومنها