بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٨٢
ما يعصر ويطبخ، ومنها ما يعصر ولا يطبخ، مما سمي بلغات شتى لا يصلح بعضها إلا ببعض ولا يصير دواءا إلا باجتماعها، ومنها مرائر السباع والدواب البرية والبحرية، وأهل هذه البلدان مع ذلك متعادون مختلفون متفرقون باللغات، متغالبون بالمناصبة، (1) و متحاربون بالقتل والسبي أفترى ذلك الحكيم تتبع هذه البلدان حتى عرف كل لغة وطاف كل وجه، وتتبع هذه العقاقير مشرقا ومغربا آمنا صحيحا لا يخاف ولا يمرض، سليما لا يعطب، حيا لا يموت، هاديا لا يضل، قاصدا لا يجوز (2) حافظا لا ينسى، نشيطا لا يمل، حتى عرف وقت أزمنتها، ومواضع منابتها مع اختلاطها واختلاف صفاتها وتباين ألوانها وتفرق أسمائها، ثم وضع مثالها على شبهها وصفتها، ثم وصف كل شجرة بنباتها وورقها وثمرها وريحها وطعمها؟ أم هل كان لهذا الحكيم بد من أن يتبع جميع أشجار الدنيا وبقولها وعروقها شجرة شجرة، وورقة ورقة، شيئا شيئا؟ فهبه وقع على الشجرة التي أراد فكيف دلته حواسه على أنها تصلح لدواء، والشجر مختلف منه الحلو والحامض والمر والمالح.
وإن قلت: يستوصف في هذه البلدان ويعمل بالسؤال، فأنى يسأل عما لم يعاين ولم يدركه بحواسه؟ أم كيف يهتدي إلى من يسأله عن تلك الشجرة وهو يكلمه بغير لسانه وبغير لغته والأشياء كثيرة؟ فهبه فعل كيف عرف منافعها ومضارها، وتسكينها و تهييجها، وباردها وحارها، وحلوها ومرارتها وحرافتها، (3) ولينها وشديدها (4)؟
فلئن قلت: بالظن إن ذلك مما لا يدرك ولا يعرف بالطبائع والحواس، ولئن قلت:
بالتجربة والشرب لقد كان ينبغي له أن يموت في أول ما شرب وجرب تلك الأدوية بجهالته بها وقلة معرفته بمنافعها ومضارها وأكثرها السم القاتل. ولئن قلت: بل طاف في كل بلد، وأقام في كل أمة يتعلم لغاتهم ويجرب بهم أدويتهم تقتل الأول فالأول منهم ما كان لتبلغ معرفته الدواء الواحد إلا بعد قتل قوم كثير، فما كان أهل تلك البلدان

(1) في نسخة: متقلبون بالمناصبة.
(2) في نسخة: قاصدا لا يجوز.
(3) الحرافة: طعم يلذع اللسان بحرارته.
(4) في نسخة: ولينها ويابسها.
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309