ونخلا، وحدائق غلبا، وفاكهة وأبا، بتدبير مؤلف مبين، بتصوير الزهرة والثمرة حياة لبني آدم، ومعاشا يقوم به أجسادهم، وتعيش بها أنعامهم التي جعل الله في أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين، والانتفاع بها والبلاغ على ظهورها معاشا لهم لا يحيون إلا به، وصلاحا لا يقومون إلا عليه، وكذلك ما جهلت من الأشياء فلا تجهل أن جميع ما في الأرض شيئان: شئ يولد، وشئ ينبت، أحدهما آكل، والآخر مأكول، ومما يدلك عقلك أنه خالقهم ما ترى من خلق الانسان وتهيئة جسده لشهوة الطعام، والمعدة لتطحن المأكول، ومجاري العروق لصفوة الطعام، وهيأ لها الأمعاء، ولو كان خالق المأكول غيره لما خلق الأجساد مشتهية للمأكول وليس له قدرة عليه.
قال: لقد وصفت صفة أعلم أنها من مدبر حكيم لطيف قدير عليم، قد آمنت وصدقت أن الخالق واحد سبحانه وبحمده، غير أني أشك في هذه السمائم القاتلة أن يكون هو الذي خلقها لأنها ضارة غير نافعة، قلت: أليس قد صار عندك أنها من غير خلق الله؟ قال: نعم لان الخلق عبيده ولم يكن ليخلق ما يضرهم. قلت: سأبصرك من هذا شيئا تعرفه ولا أنبئك إلا من قبل إهليلجتك هذه وعلمك بالطب، قال: هات.
قلت: هل تعرف شيئا من النبت ليس فيه مضرة للخلق؟ قال: نعم. قلت: ما هو؟ قال:
هذه الأطعمة. قلت: أليس هذا الطعام الذي وصفت يغير ألوانهم، ويهيج أوجاعهم حتى يكون منها الجذام والبرص والسلال (1) والماء الأصفر، وغير ذلك من الأوجاع؟
قال: هو كذلك؟ قلت: أما هذا الباب فقد انكسر عليه. قال: أجل. قلت: هل تعرف شيئا من النبت ليس فيه منفعة؟ قال: نعم.
قلت: أليس يدخل في الأدوية التي يدفع بها الأوجاع من الجذام والبرص والسلال وغير ذلك، ويدفع الداء ويذهب السقم مما أنت أعلم به لطول معالجتك قال:
إنه كذلك.
قلت: فأخبرني أي الأدوية عندكم أعظم في السمائم القاتلة؟ أليس الترياق؟