بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٩٢
ونخلا، وحدائق غلبا، وفاكهة وأبا، بتدبير مؤلف مبين، بتصوير الزهرة والثمرة حياة لبني آدم، ومعاشا يقوم به أجسادهم، وتعيش بها أنعامهم التي جعل الله في أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين، والانتفاع بها والبلاغ على ظهورها معاشا لهم لا يحيون إلا به، وصلاحا لا يقومون إلا عليه، وكذلك ما جهلت من الأشياء فلا تجهل أن جميع ما في الأرض شيئان: شئ يولد، وشئ ينبت، أحدهما آكل، والآخر مأكول، ومما يدلك عقلك أنه خالقهم ما ترى من خلق الانسان وتهيئة جسده لشهوة الطعام، والمعدة لتطحن المأكول، ومجاري العروق لصفوة الطعام، وهيأ لها الأمعاء، ولو كان خالق المأكول غيره لما خلق الأجساد مشتهية للمأكول وليس له قدرة عليه.
قال: لقد وصفت صفة أعلم أنها من مدبر حكيم لطيف قدير عليم، قد آمنت وصدقت أن الخالق واحد سبحانه وبحمده، غير أني أشك في هذه السمائم القاتلة أن يكون هو الذي خلقها لأنها ضارة غير نافعة، قلت: أليس قد صار عندك أنها من غير خلق الله؟ قال: نعم لان الخلق عبيده ولم يكن ليخلق ما يضرهم. قلت: سأبصرك من هذا شيئا تعرفه ولا أنبئك إلا من قبل إهليلجتك هذه وعلمك بالطب، قال: هات.
قلت: هل تعرف شيئا من النبت ليس فيه مضرة للخلق؟ قال: نعم. قلت: ما هو؟ قال:
هذه الأطعمة. قلت: أليس هذا الطعام الذي وصفت يغير ألوانهم، ويهيج أوجاعهم حتى يكون منها الجذام والبرص والسلال (1) والماء الأصفر، وغير ذلك من الأوجاع؟
قال: هو كذلك؟ قلت: أما هذا الباب فقد انكسر عليه. قال: أجل. قلت: هل تعرف شيئا من النبت ليس فيه منفعة؟ قال: نعم.
قلت: أليس يدخل في الأدوية التي يدفع بها الأوجاع من الجذام والبرص والسلال وغير ذلك، ويدفع الداء ويذهب السقم مما أنت أعلم به لطول معالجتك قال:
إنه كذلك.
قلت: فأخبرني أي الأدوية عندكم أعظم في السمائم القاتلة؟ أليس الترياق؟

(1) السل بالكسر في اللغة الهزال، وفي الطب القديم قرحة في الرية، وإنما سمى المرض به لان من لوازمه هزال البدن، ولان الحمى الدقية لازمة لهذه القرحة.
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309