أن ينطلق قاصدا مستمرا لا يرجع، ولا يهوي إلي شئ يمر به من الشجرة والبقول حتى يأتي الشجرة التي سألته أن يأتيك بثمرها، والبقلة التي طلبتها حيث كانت من أدنى الحديقة أو أقصاها فيأتيك بها؟ قال: نعم. قلت: أفرأيت لو قال لك صاحب الحديقة حيث سألته الثمرة: ادخل الحديقة فخذ حاجتك فإني لا أقدر على ذلك، هل كنت تقدر أن تنطلق قاصدا لا تأخذ يمينا ولا شمالا حتى تنتهي إلى الشجرة فتجتني منها؟ قال: و كيف أقدر على ذلك ولا علم لي في أي مواضع الحديقة هي؟ قلت: أفليس تعلم أنك لم تكن لتصيبها دون أن تهجم عليها بتعسف وجولان في جميع الحديقة حتى تستدل عليها ببعض حواسك بعد ما تتصفح فيها من الشجرة شجرة شجرة وثمرة ثمرة حتى تسقط على الشجرة التي تطلب ببعض حواسك إن تأتيها، وإن لم ترها انصرفت؟.
قال: وكيف أقدر على ذلك ولم أعاين مغرسها حيث غرست، ولا منبتها حيث نبتت، ولا ثمرتها حيث طلعت. قلت: فإنه ينبغي لك أن يدلك عقلك حيث عجزت حواسك عن إدراك ذلك إن الذي غرس هذا البستان العظيم فيما بين المشرق والمغرب وغرس فيه هذه الأشجار والبقول هو الذي دل الحكيم الذي زعمت أنه وضع الطب على تلك العقاقير ومواضعها في المشرق والمغرب، وكذلك ينبغي لك أن تستدل بعقلك على أنه هو الذي سماها وسمى بلدتها وعرف مواضعها كمعرفة صاحب الحديقة الذي سألته الثمرة، وكذلك لا يستقيم ولا ينبغي أن يكون الغارس والدال عليها إلا الدال على منافعها ومضارها وقراريطها ومثاقيلها.
قال: إن هذا لكما تقول. قلت: أفرأيت لو كان خالق الجسد وما فيه من العصب واللحم والأمعاء والعروق التي يأخذ فيها الأدوية إلى الرأس وإلى القدمين وإلى ما سوى ذلك غير خالق الحديقة وغارس العقاقير، هل كان يعرف زنتها ومثاقيلها وقراريطها وما يصلح لكل داء منها، وما كان يأخذ في كل عرق؟.
قال: وكيف يعرف ذلك أو يقدر عليه وهذا لا يدرك بالحواس، ما ينبغي أن يعرف هذا إلا الذي غرس الحديقة وعرف كل شجرة وبقلة وما فيها من المنافع والمضار قلت: أفليس كذلك ينبغي أن يكون الخالق واحدا؟ لأنه لو كان اثنين أحدهما خالق