قلت: فافهم وأدق النظر وناصح نفسك ألست تعلم أنه حيث كان جميع أهل الدنيا إنما يولدون بهذه النجوم على ما وصفت في النحوس والسعود أنهن كن قبل الناس؟ قال:
ما أمتنع أن أقول هذا. قلت: أفليس ينبغي لك أن تعلم أن قولك: إن الناس لم يزالوا ولا يزالون قد انكسر عليك (1) حيث كانت النجوم قبل الناس، فالناس حدث بعدها، و لئن كانت النجوم خلقت قبل الناس ما تجد بدا من أن تزعم أن الأرض خلقت قبلهم.
قال: ولم تزعم أن الأرض خلقت قبلهم؟ قلت: ألست تعلم أنها لو لم تكن الأرض جعل الله لخلقه فراشا ومهادا ما استقام الناس ولا غيرهم من الأنام، ولا قدروا أن يكونوا في الهواء إلا أن يكون لهم أجنحة؟ قال: وماذا يغني عنهم الأجنحة إذا لم تكن لهم معيشة؟
قلت: ففي شك أنت من أن الناس حدث بعد الأرض والبروج؟ قال: لا ولكن على اليقين من ذلك.
قلت: آتيك أيضا بما تبصره. قال: ذلك أنفى (2) للشك عني. قلت: ألست تعلم أن الذي تدور عليه هذه النجوم والشمس والقمر هذا الفلك؟ قال: بلى. قلت: أفليس قد كان أساسا لهذه النجوم؟ قال: بلى. قلت: فما أرى هذه النجوم التي زعمت أنها مواليد الناس إلا وقد وضعت بعد هذا الفلك لأنه به تدور البروج وتسفل مرة وتصعد أخرى.
قال: قد جئت بأمر واضح لا يشكل على ذي عقل أن الفلك الذي تدور به النجوم هو أساسها الذي وضع لها لأنها إنما جرت به. قلت: أقررت أن خالق النجوم التي يولد بها الناس سعودهم ونحوسهم هو خالق الأرض لأنه لو لم يكن خلقها لم يكن ذرء.
قال: ما أجد بدا من إجابتك إلى ذلك. قلت: أفليس ينبغي لك أن يدلك عقلك على أنه لا يقدر على خلق السماء إلا الذي خلق الأرض والذرء والشمس والقمر والنجوم، وأنه لولا السماء وما فيها لهلك ذرء الأرض.
شرح: أن يكون لبعض الناس أي هذا العلم. اعلم أن كلامه واحتجاجه عليه السلام