أم كيف عرفت حواسه أن الذي يسقى لوجع الرأس لا ينحدر إلى الرجلين، والانحدار أهون عليه من الصعود؟ والذي يسقى لوجع القدمين لا يصعد إلى الرأس، وهو إلى الرأس عند السلوك أقرب منه؟ وكذلك كل دواء يسقي صاحبه لكل عضو لا يأخذ إلا طريقه في العروق التي تسقى له، وكل ذلك يصير إلى المعدة ومنها يتفرق؟ أم كيف لا يسفل منه ما صعد ولا يصعد منه ما انحدر؟ أم كيف عرفت الحواس هذا حتى علم أن الذي ينبغي للاذن لا ينفع العين وما ينتفع به العين لا يغني من وجع الاذن، وكذلك جميع الأعضاء يصير كل داء منها إلى ذلك الدواء (1) الذي ينبغي له بعينه؟ فكيف أدركت العقول والحكمة والحواس هذا وهو غائب في الجوف، والعروق في اللحم، وفوقه الجلد لا يدرك بسمع ولا ببصر ولا بشم ولا بلمس ولا بذوق؟.
قال: لقد جئت بما أعرفه (2) إلا أننا نقول: إن الحكيم الذي وضع هذه الأدوية وأخلاصها كان إذا سقى أحدا شيئا من هذه الأدوية فمات شق بطنه وتتبع عروقه ونظر مجاري تلك الأدوية وأتى المواضع التي تلك الأدوية فيها. قلت: فأخبرني ألست تعلم أن الدواء كله إذا وقع في العروق اختلط بالدم فصار شيئا واحدا؟ قال: بلى.
قلت: أما تعلم أن الانسان إذا خرجت نفسه برد دمه وجمد؟ قال: بلى. قلت:
فكيف عرف ذلك الحكيم دواءه الذي سقاه للمريض بعد ما صار غليظا عبيطا ليس بأمشاج يستدل عليه بلون فيه غير لون الدم؟ قال: لقد حملتني على مطية صعبة ما حملت على مثلها قط، ولقد جئت بأشياء لا أقدر على ردها.
شرح: قوله عليه السلام: خلط بعض هذه الأدوية الخلط بالكسر: ما يخلط بالشئ أي ما يدخل في بعض هذه الأدوية المركبة. قوله عليه السلام: ثم وضع مثالها على شبهها أي ضم كلما وجد من كل نوع إلى مثله لأنه يشبهه ويوافقه في الصفة أو ترك الأشياء التي تشبه ما يريده، وإن كانت موافقة له في الصفات فإن كثيرا من العقاقير تشتبه بغيرها لاتفاقهما في كثير من الصفات. قوله عليه السلام: فكيف بقيت لعل المفروض أن ذلك كان