بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٨٤
أم كيف عرفت حواسه أن الذي يسقى لوجع الرأس لا ينحدر إلى الرجلين، والانحدار أهون عليه من الصعود؟ والذي يسقى لوجع القدمين لا يصعد إلى الرأس، وهو إلى الرأس عند السلوك أقرب منه؟ وكذلك كل دواء يسقي صاحبه لكل عضو لا يأخذ إلا طريقه في العروق التي تسقى له، وكل ذلك يصير إلى المعدة ومنها يتفرق؟ أم كيف لا يسفل منه ما صعد ولا يصعد منه ما انحدر؟ أم كيف عرفت الحواس هذا حتى علم أن الذي ينبغي للاذن لا ينفع العين وما ينتفع به العين لا يغني من وجع الاذن، وكذلك جميع الأعضاء يصير كل داء منها إلى ذلك الدواء (1) الذي ينبغي له بعينه؟ فكيف أدركت العقول والحكمة والحواس هذا وهو غائب في الجوف، والعروق في اللحم، وفوقه الجلد لا يدرك بسمع ولا ببصر ولا بشم ولا بلمس ولا بذوق؟.
قال: لقد جئت بما أعرفه (2) إلا أننا نقول: إن الحكيم الذي وضع هذه الأدوية وأخلاصها كان إذا سقى أحدا شيئا من هذه الأدوية فمات شق بطنه وتتبع عروقه ونظر مجاري تلك الأدوية وأتى المواضع التي تلك الأدوية فيها. قلت: فأخبرني ألست تعلم أن الدواء كله إذا وقع في العروق اختلط بالدم فصار شيئا واحدا؟ قال: بلى.
قلت: أما تعلم أن الانسان إذا خرجت نفسه برد دمه وجمد؟ قال: بلى. قلت:
فكيف عرف ذلك الحكيم دواءه الذي سقاه للمريض بعد ما صار غليظا عبيطا ليس بأمشاج يستدل عليه بلون فيه غير لون الدم؟ قال: لقد حملتني على مطية صعبة ما حملت على مثلها قط، ولقد جئت بأشياء لا أقدر على ردها.
شرح: قوله عليه السلام: خلط بعض هذه الأدوية الخلط بالكسر: ما يخلط بالشئ أي ما يدخل في بعض هذه الأدوية المركبة. قوله عليه السلام: ثم وضع مثالها على شبهها أي ضم كلما وجد من كل نوع إلى مثله لأنه يشبهه ويوافقه في الصفة أو ترك الأشياء التي تشبه ما يريده، وإن كانت موافقة له في الصفات فإن كثيرا من العقاقير تشتبه بغيرها لاتفاقهما في كثير من الصفات. قوله عليه السلام: فكيف بقيت لعل المفروض أن ذلك كان

(1) في نسخة: يصير كل دواء منها إلى ذلك الداء.
(2) في نسخة: لقد جئت بما أعرف.
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309