من الأشخاص التقدم على الجميع كما قيل، أو على أنه عليه السلام كان يعلم أن السائل كان قائلا بذلك فذكره عليه السلام إلزاما عليه كما اعترف به، وعلى الأول يكون المراد بقوله:
لم يزالوا ولا يزالون عدم استنادهم إلى علة، وعلى الثاني فالمراد إما قدم مادتهم أو صورهم أيضا بناءا على القول بالكمون، وعلى الثالث فالمراد قدم نوعهم. قوله عليه السلام:
بعد هذا الفلك أي هي محتاجة إلى الفلك، والفلك متقدمة عليها بالعلية فلا يصح كون النجوم علة لها للزوم الدور. قوله عليه السلام: لم يكن ذرء أي مذروء ومخلوق من الانس.
ثم اعلم أن حاصل استدلاله على ما ظهر لهذا القاصر هو أنه عليه السلام - لما قرر السائل سالفا على أن النجوم ليست خالقة لأنفسها، وآنفا على أنها ليست مخلوقة للناس وغيرها مما يحدث بزعمه بتأثيرها لتأخرها عنها، وعلى أن الأرض أيضا متقدمة على ما عليها من الخلق فلا تكون مخلوقة لما عليها، وعلى أن الفلك لتقدمه على النجوم المتقدمة على الناس لا يجوز كونه مخلوقا لشئ منها - استدل عليه السلام ههنا على أنه لابد أن يكون خالق السماء والأرض وما في السماء من الشمس والقمر والنجوم وما على الأرض من الخلق واحدا.
أما اتحاد خالق الأرض والنجوم فيمكن تقريره بوجهين: الأول: أن الناس محتاجون إلى الأرض كما عرفت، وظاهر أنها من أعظم مصالحهم فالوجدان الصحيح يحكم بأن من خلق شيئا يعد له ما يصلحه، ويهيئ له ما سيحتاج إليه فظهر أنه لابد أن يكون خالق الناس وخالق الأرض واحدا، والناس بزعمك مخلوقون للنجوم ولزمك القول بوجود خالق للنجوم، فلابد من القول بكون الأرض منسوبة إلى خالق النجوم إما بلا واسطة أو بواسطة النجوم أو غيرها فثبت المطلوب.
الثاني: أنا نرى التلازم بين الناس والأرض لحكم العقل بأن كلا منهما يرتفع عند ارتفاع الآخر إذ الظاهر أن غاية خلق الأرض هو الانسان ونحوه وهم محتاجون في أمورهم إليها، وقد تقرر أن المتلازمين إما أن يكون أحدهما علة للآخر، أو كل منهما معلول علة ثالثة، ولا يجوز أن يكون الناس عللا للأرض لما عرفت، ولا معلولة