بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٦٥
ترك آخر دونه، فعرف القلب بالأعلام المنيرة الواضحة أن مدبر الأمور واحد، وأنه لو كان اثنين أو ثلاثة لكان في طول هذه الأزمنة والأبد والدهر اختلاف في التدبير وتناقض في الأمور، ولتأخر بعض وتقدم بعض، ولكان تسفل بعض ما قد علا، ولعلا بعض ما قد سفل، ولطلع شئ وغاب فتأخر عن وقته أو تقدم ما قبله فعرف القلب بذلك أن مدبر الأشياء ما غاب منها وما ظهر هو الله الأول، خالق السماء وممسكها، وفارش الأرض وداحيها، وصانع ما بين ذلك مما عددنا وغير ذلك مما لم يحص.
وكذلك عاينت العين اختلاف الليل والنهار دائبين جديدين لا يبليان في طول كرهما، ولا يتغيران لكثرة اختلافهما، ولا ينقصان عن حالهما، النهار في نوره وضيائه، والليل في سواده وظلمته، يلج أحدهما في الآخر حتى ينتهي كل واحد منهما إلى غاية محدودة معروفة في الطول والقصر على مرتبة واحدة ومجرى واحد، مع سكون من يسكن في الليل، وانتشار من ينتشر في الليل، وانتشار من ينتشر في النهار، وسكون من يسكن في النهار، ثم الحر والبرد وحلول أحدهما بعقب الآخر حتى يكون الحر بردا، والبرد حرا في وقته وإبانه، فكل هذا مما يستدل به القلب على الرب سبحانه وتعالى، فعرف القلب بعقله أن من دبر هذه الأشياء هو الواحد العزيز الحكيم الذي لم يزل ولا يزال، وأنه لو كان في السماوات والأرضين آلهة معه سبحانه لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض، ولفسد كل واحد منهم على صاحبه.
وكذلك سمعت الاذن ما أنزل المدبر من الكتب تصديقا لما أدركته القلوب بعقولها، وتوفيق الله إياها، وما قاله من عرفه كنه معرفته بلا ولد ولا صاحبة ولا شريك فأدت الاذن ما سمعت من اللسان بمقالة الأنبياء إلى القلب.
شرح: قوله عليه السلام: ربما ذهب الحواس إما بالنوم كما سيأتي أو بآفة فإن العقل لا محالة يدله على أن يشير إلى بعض ما يصلحه، ويطلب ما يقيمه بأي وجه كان، على أن ذهاب الحواس الخمس لا ينافي بقاء النطق. قوله عليه السلام: إلا النزوع إلى الحواس أي الاشتياق إليها، والحاصل أنا نوافقك ونستدل لك بما تدل عليه الحواس، وإن كنت رفضتها وتركيتها وسلمت فيما مضى كونها معزولة عن بعض الأشياء فنقول: إن حكم
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309