ما هي عليه - هو الذي يمسك السماء التي فوقها، وأنه لولا ذلك لخسفت بما عليها من ثقلها وثقل الجبال والأنام والأشجار والبحور والرمال، فعرف القلب بدلالة العين أن مدبر الأرض هو مدبر السماء. ثم سمعت الاذن صوت الرياح الشديدة العاصفة والمينة الطيبة، وعاينت العين ما يقلع من عظام الشجر ويهدم من وثيق البنيان، وتسفى (1) من ثقال الرمال، تخلى منها ناحية وتصبها في أخرى، بلا سائق تبصره العين، ولا تسمعه الاذن، ولا يدرك بشئ من الحواس، وليست مجسدة تلمس ولا محدودة تعاين، فلم تزد العين والاذن وسائر الحواس على أن دلت القلب أن لها صانعا، وذلك أن القلب يفكر بالعقل الذي فيه، فيعرف أن الريح لم تتحرك من تلقائها وأنها لو كانت هي المتحركة لم تكفف عن التحرك، ولم تهدم طائفة وتعفي أخرى، (2) ولم تقلع شجرة وتدع أخرى إلى جنبها، ولم تصب أرضا وتنصرف عن أخرى فلما تفكر القلب في أمر الريح علم أن لها محركا هو الذي يسوقها حيث يشاء، ويسكنها إذا شاء، ويصيب بها من يشاء، و يصرفها عمن يشاء، فلما نظر القلب إلى ذلك وجدها متصلة بالسماء، وما فيها من الآيات فعرف أن المدبر القادر على أن يمسك الأرض والسماء هو خالق الريح ومحركها إذا شاء، وممسكها كيف شاء، ومسلطها على من يشاء. وكذلك دلت العين والاذن القلب على هذه الزلزلة، وعرف ذلك بغيرهما من حواسه حين حركته فلما دل الحواس على تحريك هذا الخلق العظيم من الأرض في غلظها وثقلها، وطولها وعرضها، وما عليها من ثقل الجبال والمياه والأنام وغير ذلك، وإنما تتحرك في ناحية ولم تتحرك في ناحية أخرى (3) وهي ملتحمة جسدا واحدا، وخلقا متصلا بلا فصل ولا وصل، تهدم ناحية وتخسف بها وتسلم أخرى، فعندها عرف القلب أن محرك ما حرك منها هو ممسك ما امسك منها، وهو محرك الريح وممسكها، وهو مدبر السماء والأرض وما بينهما، وأن الأرض لو كانت هي المزلزلة لنفسها لما تزلزلت ولما تحركت، ولكنه الذي دبرها وخلقها حرك منها ما شاء. ثم نظرت العين إلى العظيم من الآيات من السحاب
(١٦٣)