بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٦٤
المسخر بين السماء والأرض بمنزلة الدخان لا جسد له يلمس بشئ من الأرض و الجبال، يتخلل الشجرة فلا يحرك منها شيئا، ولا يهصر منها غصنا، ولا يعلق منها بشئ يعترض الركبان فيحول بعضهم من بعض من ظلمته وكثافته، ويحتمل من ثقل الماء و كثرته ما لا يقدر على صفته، مع ما فيه من الصواعق الصادعة، والبروق اللامعة، والرعد والثلج والبرد والجليد ما لا تبلغ الأوهام صفته ولا تهتدي القلوب إلى كنه عجائبه، فيخرج مستقلا في الهواء يجتمع بعد تفرقه (1) ويلتحم بعد تزايله، تفرقه الرياح (2) من الجهات كلها إلى حيث تسوقه بإذن الله ربها، يسفل مرة ويعلو أخرى، متمسك بما فيه من الماء الكثير الذي إذا أزجاه (3) صارت منه البحور، يمر على الأراضي الكثيرة والبلدان المتنائية لا تنقص منه نقطة، (4) حتى ينتهي إلى ما لا يحصى من الفراسخ فيرسل ما فيه قطرة بعد قطرة، وسيلا بعد سيل، متتابع على رسله حتى ينقع البرك (5) وتمتلي الفجاج، و تعتلي الأودية بالسيول كأمثال الجبال غاصة بسيولها، مصمخة الآذان لدويها و هديرها (6) فتحي بها الأرض الميتة، فتصبح مخضرة بعد أن كانت مغبرة، ومعشبة بعد أن كانت مجدبة، قد كسيت ألوانا من نبات عشب ناضرة زاهرة مزينة معاشا للناس الانعام، فإذا أفرغ الغمام ماءه أقلع وتفرق وذهب حيث لا يعاين ولا يدرى أين توارى، فأدت العين ذلك إلى القلب فعرف القلب أن ذلك السحاب لو كان بغير مدبر وكان ما وصفت من تلقاء نفسه ما احتمل نصف ذلك من الثقل من الماء، وإن كان هو الذي يرسله لما احتمله ألفي فرسخ أو أكثر، ولأرسله فيما هو أقرب من ذلك، ولما أرسله قطرة بعد قطرة، بل كان يرسله إرسالا فكان يهدم البنيان ويفسد النبات، ولما جاز إلى بلد و

(1) وفي نسخة: ينفجر بعد تمسكه.
(2) وفي نسخة: تصفقه الرياح.
(3) ازجاه أي دفعه برفق.
(4) وفي نسخة: لا تقطر منه قطرة.
(5) بكسر الباء وفتح الراء جمع بركة: مستنقع الماء، الحوض.
(6) وفي نسخة: ومصمة الاذان لدويها وهديرها.
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309