بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٦٩
حواسه دلت عليه في اليقظة. قلت: ما زدت على أن قويت مقالتي، وزعمت أن القلب يعقل الأشياء ويعرفها بعد ذهاب الحواس وموتها فكيف أنكرت أن القلب يعرف الأشياء وهو يقظان مجتمعة له حواسه، وما الذي عرفه إياها بعد موت الحواس وهو لا يسمع ولا يبصر؟ ولكنت حقيقا أن لا تنكر له المعرفة وحواسه حية مجتمعة إذا أقررت أنه ينظر إلى الامرأة بعد ذهاب حواسه حتى نكحها وأصاب لذته منها، فينبغي لمن يعقل حيث وصف القلب بما وصفه به من معرفته بالأشياء والحواس ذاهبة أن يعرف أن القلب مدبر الحواس ومالكها ورائسها (1) والقاضي عليها، فإنه ما جهل الانسان من شئ فما يجهل أن اليد لا تقدر على العين أن تقلعها، ولا على اللسان أن تقطعه، وأنه ليس يقدر شئ من الحواس أن يفعل بشئ من الجسد شيئا بغير إذن القلب ودلالته و تدبيره لان الله تبارك وتعالى جعل القلب مدبرا للجسد، به يسمع وبه يبصر وهو القاضي والأمير عليه، لا يتقدم الجسد إن هو تأخر، ولا يتأخر إن هو تقدم، وبه سمعت الحواس وأبصرت، إن أمرها ائتمرت، وإن نهاها انتهت، وبه ينزل الفرح والحزن، وبه ينزل الألم، إن فسد شئ من الحواس بقي على حاله، وإن فسد القلب ذهب جميعا حتى لا يسمع ولا يبصر.
قال: لقد كنت أظنك لا تتخلص من هذه المسألة وقد جئت بشئ لا أقدر على رده قلت: وأنا أعطيك تصاديق ما أنبأتك به وما رأيت في منامك في مجلسك الساعة. قال:
افعل فإني قد تحيرت في هذه المسألة. قلت: أخبرني هل تحدث نفسك من تجارة أو صناعة أو بناء أو تقدير شئ وتأمر به إذا أحكمت تقديره في ظنك؟ نعم. قلت: فهل أشركت قلبك في ذلك الفكر شيئا من حواسك؟ قال: لا. قلت: أفلا تعلم أن الذي أخبرك به قلبك حق؟ قال: اليقين هو، فزدني ما يذهب الشك عني ويزيل الشبه من قلبي.
شرح: خفق القلب: اضطرابه. والنهمة: بلوغ الهمة في الشئ، والنهم بالتحريك إفراط الشهوة في الطعام. أقول: قد عرفت أن القلب يطلق في مصطلح الاخبار على النفس الناطقة، ولما كان السائل منكرا لادراك ما سوى الحواس الظاهرة نبهه عليه السلام على خطائه بمدركات الحواس الباطنة التي هي آلات النفس.

(1) الرائس: الوالي، في مقابلة الرؤوس للمستولي عليه.
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309