قولك. قلت: فما يمنعك منه؟ قال: قد قبلته واستبان لي حقه وصدقه بأن الأشياء المختلفة والإهليلجة لم يصنعن أنفسهن، ولم يدبرن خلقهن، ولكنه تعرض لي أن الشجرة هي التي صنعت الإهليلجة لأنها خرجت منها. قلت: فمن صنع الشجرة: قال:
الإهليلجة الأخرى! قلت: اجعل لكلامك غاية أنتهي إليها فإما أن تقول: هو الله سبحانه فيقبل منك، وإما أن تقول: الإهليلجة فنسألك.
قال: سل. قلت: أخبرني عن الإهليلجة هل تنبت منها الشجرة إلا بعدما ماتت وبليت وبادت؟ قال: لا. قلت: إن الشجرة بقيت بعد هلاك الإهليلجة مائة سنة، فمن كان يحميها ويزيد فيها، ويدبر خلقها ويربيها، وينبت ورقها؟ مالك بد من أن تقول:
هو الذي خلقها، ولان قلت: الإهليلجة وهي حية قبل أن تهلك وتبلى وتصير ترابا، وقد ربت الشجرة وهي ميتة أن هذا القول مختلف. قال: لا أقول: ذلك. قلت أفتقر بأن الله خلق الخلق أم قد بقي في نفسك شئ من ذلك؟ قال: إني من ذلك على حد وقوف ما أتخلص إلى أمر ينفذ لي فيه الامر. قلت: أما إذ أبيت إلا الجهالة وزعمت أن الأشياء لا يدرك إلا بالحواس فإني أخبرك أنه ليس للحواس دلالة على الأشياء، ولا فيها معرفة إلا بالقلب، فإنه دليلها ومعرفها الأشياء التي تدعي أن القلب لا يعرفها إلا بها.
شرح: قوله عليه السلام: وامتثلت قال الفيروزآبادي: امتثل طريقته: تبعها فلم يعدها.
قوله: نقمت علي أي عبت وكرهت. قوله: من لحم قال الفيروزآبادي: لحم كل شئ لبه.
قوله تلك الأرض أي أشار إلى الأرض، وقال أقر بوجود هذه الأرض التي أرى، والإهليلجة الواحدة التي في يدي. قوله: كانت فيها متفرقة لعله اختار مذهب انكسار غورس ومن تبعه من الدهرية القائلين بالكمون والبروز، وأن كل شئ كامن، ويومي إليه جوابه. قوله عليه السلام: في قمعها قال الفيروزآبادي: القمع محركة: بثرة تخرج في أصول الأشفار، وقال القمع بالفتح والكسر وكعنب: ما التزق بأسفل التمرة والبسرة ونحوهما انتهى. وعلى التقديرين استعير لما يبدو من الإهليلجة ابتداءا في شجرها من القشرة الرقيقة الصغيرة التي فيها ماء، والأول أبلغ. قوله عليه السلام: غير مجموع بجسم أي هل كان يزيد بغير أن يضم. إليه جسم آخر من خارج، أو قمع آخر مثله، أو بغير قمعه