متن: قال: إن هذا لقول، ولكني لمنكر ما لم تدركه حواسي فتؤديه إلى قلبي، فلما اعتصم بهذه المقالة ولزم هذه الحجة قلت: أما إذ أبيت إلا أن تعتصم بالجهالة، وتجعل المحاجزة حجة فقد دخلت في مثل ما عبت وامتثلت ما كرهت، حيث قلت: إني اخترت الدعوى لنفسي لان كل شئ لم تدركه حواسي عندي بلا شئ.
قال: وكيف ذلك؟ قلت: لأنك نقمت على الادعاء ودخلت فيه فادعيت أمرا لم تحط به خبرا ولم تقله علما فكيف استجزت لنفسك الدعوى في إنكارك الله، ودفعك أعلام النبوة والحجة الواضحة وعبتها علي؟ أخبرني هل أحطت بالجهات كلها وبلغت منتهاها؟ قال: لا. قلت: فهل رقيت إلى السماء التي ترى؟ أو انحدرت إلى الأرض السفلى فجلت في أقطارها؟ (1) أو هل خضت في غمرات البحور (2) واخترقت نواحي الهواء فيما فوق السماء وتحتها إلى الأرض وما أسفل منها فوجدت ذلك خلاء من مدبر حكيم عالم بصير؟ قال: لا. قلت: فما يدريك لعل الذي أنكره قلبك هو في بعض ما لم تدركه حواسك ولم يحط به علمك.
قال: لا أدري لعل في بعض ما ذكرت مدبرا، وما أدري لعله ليس في شئ من ذلك شئ! قلت: أما إذ خرجت من حد الانكار إلى منزلة الشك فإني أرجو أن تخرج إلى المعرفة.
قال: فإنما دخل علي الشك لسؤالك إياي عما لم يحط به علمي، ولكن من أين يدخل علي اليقين بما لم تدركه حواسي؟ قلت: من قبل إهليلجتك هذه.
قال: ذاك إذا أثبت للحجة، لأنها من آداب الطب الذي أذعن بمعرفته (3) قلت: إنما أردت آن آتيك به من قبلها لأنها أقرب الأشياء إليك، ولو كان شئ أقرب إليك منها لاتيتك من قبله، (4) لان في كل شئ أثر تركيب وحكمة، وشاهدا يدل على