بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٣٨
تحم الأشياء وتفسد، ويفيض ماء البحر على الأرض فيغرقها. ثم هذه الآفات التي ذكرناها من الوباء والجراد وما أشبه ذلك ما بالها لا تدوم وتمتد حتى تجتاح كل ما في العالم؟ بل تحدث في الأحايين، ثم لا تلبث أن ترفع؟ أفلا ترى أن العالم يصان ويحفظ من تلك الاحداث الجليلة التي لو حدث عليه شئ منها كان فيه بواره، ويلذع (1) أحيانا بهذه الآفات اليسيرة لتأديب الناس وتقويمهم، ثم لا تدوم هذه الآفات بل تكشف عنهم عند القنوط منهم فتكون وقوعها بهم موعظة وكشفها عنهم رحمة.
وقد أنكرت المعطلة ما أنكرت المنانية (2) من المكاره والمصائب التي تصيب الناس، فكلاهما يقول: إن كان للعالم خالق رؤوف رحيم فلم يحدث فيه هذه الأمور المكروهة؟ والقائل بهذا القول يذهب به إلى أنه ينبغي أن يكون عيش الانسان في هذه الدنيا صافيا من كل كدر، ولو كان هكذا كان الانسان سيخرج من الأشر والعتو إلى ما لا يصلح في دين ودنيا كالذي ترى كثيرا من المترفين ومن نشأ في الجدة والامن يخرجون إليه حتى أن أحدهم ينسى أنه بشر أو أنه مربوب أو أن ضررا يمسه، أو أن مكروها ينزل به، أو أنه يجب عليه أن يرحم ضعيفا أو يواسي فقيرا. أو يرثي لمبتلى (3) أو يتحنن على ضعيف، أو يتعطف على مكروب، فإذا عضته المكاره ووجد مضضها اتعظ وأبصر كثيرا مما كان جهله وغفل عنه، ورجع إلى كثير مما كان يجب عليه، و المنكرون لهذه الأمور المؤذية بمنزلة الصبيان الذين يذمون الأدوية المرة البشعة، ويتسخطون من المنع من الأطعمة الضارة، ويتكرهون الأدب والعمل، ويحبون أن يتفرغوا للهو والبطالة، وينالوا كل مطعم ومشرب، ولا يعرفون ما تؤديهم إليه البطالة من سوء النشوء والعادة وما تعقبهم الأطعمة اللذيذة الضارة من الأدواء والأسقام، وما لهم في الأدب من الصلاح، وفي الأدوية من المنفعة وإن شاب ذلك بعض الكراهة.
فإن قالوا: ولم لم يكن الانسان معصوما من المساوي حتى لا يحتاج إلى أن

(1) يلذع بالذال المعجمة والعين المهملة: يوجع ويؤلم. وفى بعض النسخ يلدغ بالدال المهملة والغين المعجمة أي يلسع.
(2) كذا في النسخ والظاهر: المانوية.
(3) أي يرق ويرحم له.
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309