بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٣٥
مع ذلك متانة ليصلح لما يتخذ منه من الآلات فإنه لو كان مستحصفا (1) كالحجارة لم يمكن أن يستعمل في السقوف وغير ذك مما يستعمل فيه الخشبة كالأبواب والأسرة والتوابيت وما أشبه ذلك. ومن جسيم المصالح في الخشب أنه يطفو على الماء فكل الناس يعرف هذا منه وليس كلهم يعرف جلالة الامر فيه، فلولا هذه الخلة كيف كانت هذه السفن والأظراف تحمل أمثال الجبال من الحمولة، وأنى كان ينال الناس هذا الوفق (2) وخفة المؤونة في حمل التجارات من بلد إلى بلد؟ وكانت تعظم المؤونة عليهم في حملها حتى يلقى كثير مما يحتاج إليه في بعض البلدان مفقودا أصلا أو عسرا وجوده.
فكر في هذه العقاقير وما خص بها كل واحد منها من العمل في بعض الأدواء فهذا يغور في المفاصل فيستخرج الفضول الغليظة مثل الشيطرج، (3) وهذا ينزف المرة السوداء مثل الافتيمون، (4) وهذا ينفي الرياح مثل السكبينج، وهذا يحلل الأورام وأشباه هذا من أفعالها فمن جعل هذه القوى فيها إلا من خلقها للمنفعة؟ ومن فطن الناس بها إلا من جعل هذا فيها؟ ومتى كان يوقف على هذا منها بالعرض والاتفاق كما قال قائلون؟
وهب الانسان فطن لهذه الأشياء بذهنه ولطيف رويته وتجاربه فالبهائم كيف فطنت لها؟ حتى صار بعض السباع يتداوى من جراحه إن أصابته ببعض العقاقير فيبرأ، وبعض الطير يحتقن من الحصر يصيبه بماء البحر فيسلم، وأشباه هذا كثير. ولعلك تشكك في هذا النبات النابت في الصحاري والبراري حيث لا انس ولا أنيس فتظن أنه فضل لا حاجة إليه وليس كذلك بل هو طعم لهذه الوحوش، وحبه علف للطير، وعوده و أفنانه حطب فيستعمله الناس، وفيه بعد أشياء تعالج به الأبدان، وأخرى تدبغ به الجلود وأخرى تصبغ به الأمتعة، وأشباه هذا من المصالح. ألست تعلم أن أخس النبات وأحقره

(1) أي مستحكما، والحصيف: كل محكم لا خلل فيه.
(2) في نسخة: هذا الرفق.
(3) وفي كتب الطب أنه يزيل الطحال أكلا وضمادا أيضا، وتعليقه على الاذن الوجعة يسكن وجعها.
(4) وله منافع أخرى معدودة في كتب الطب كاسهاله البلغم والصفراء، ونفعه من الصرع والتشنج الامتلائي، والنفخ وأصحاب السرطان والجرب وغير ذلك، كما أن للسكبينج منافع أخرى مبينة في محله.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309