بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٤١
ومما ينتقده الجاحدون للعمد والتقدير الموت والفناء فإنهم يذهبون إلى أنه ينبغي أن يكون الناس مخلدين في هذه الدنيا، مبرئين من الآفات. فينبغي أن يساق هذا الامر إلى غايته فينظر ما محصوله. أفرأيت لو كان كل من دخل العالم ويدخله يبقون ولا يموت أحد منهم ألم تكن الأرض تضيق بهم حتى تعوزهم المساكن والمزارع والمعاش؟ فإنهم والموت يفنيهم أولا أولا يتنافسون في المساكن والمزارع حتى ينشب بينهم في ذلك الحروب ويسفك فيهم الدماء، فكيف كانت تكون حالهم لو كانوا يولدون ولا يموتون؟ وكان يغلب عليهم الحرص والشره وقساوة القلوب، فلو وثقوا بأنهم لا يموتون لما قنع الواحد منهم بشئ ينال، ولا أفرج لاحد عن شئ يسأله، ولا سلا عن شئ مما يحدث عليه، ثم كانوا يملون الحياة وكل شئ من أمور الدنيا كما قد يمل الحياة من طال عمره حتى يتمنى الموت والراحة من الدنيا.
فإن قالوا: إنه كان ينبغي أن يرفع عنهم المكاره والأوصاب حتى لا يتمنوا الموت ولا يشتاقوا إليه، فقد وصفنا ما كان يخرجهم إليه من العتو والأشر الحامل لهم على ما فيه فساد الدين والدنيا. وإن قالوا: إنه كان ينبغي أن لا يتوالدوا كيلا تضيق عنهم المساكن والمعاش قيل لهم: إذا كان يحرم أكثر هذا الخلق دخول العالم والاستمتاع بنعم الله ومواهبه في الدارين جميعا إذا لم يدخل العالم إلا قرن واحد لا يتوالدون ولا يتناسلون.
فإن قالوا: كان ينبغي أن يخلق في ذلك القرن الواحد من الناس مثل ما خلق ويخلق إلى انقضاء العالم. يقال لهم: رجع الامر إلى ما ذكرنا من ضيق المساكن والمعاش عنهم ثم لو كانوا لا يتوالدون ولا يتناسلون لذهب موضع الانس بالقرابات وذوي الأرحام والانتصار بهم عند الشدائد، وموضع تربية الأولاد والسرور بهم. ففي هذا دليل على أن كلما تذهب إليه الأوهام سوى ما جرى به التدبير خطأ وسفاه من الرأي والقول.
ولعل طاعنا يطعن على التدبير من جهة أخرى فيقول: كيف يكون ههنا تدبير ونحن نرى الناس في هذه الدنيا من عزبز؟ فالقوي يظلم ويغصب، والضعيف يظلم ويسأم الخسف، والصالح فقير مبتلى، والفاسق معافى موسع عليه، ومن ركب فاحشة أو انتهك محرما لم يعاجل بالعقوبة، فلو كان في العالم تدبير لجرت الأمور على
(١٤١)
مفاتيح البحث: الموت (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309