بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٤٩
فإن قالوا: فأنتم الآن تصفون من قصور العلم عنه وصفا حتى كأنه غير معلوم!
قيل لهم: هو كذلك من جهة إذا رام العقل معرفة كنهه والإحاطة به، وهو من جهة أخرى أقرب من كل قريب إذا استدل عليه بالدلائل الشافية فهو من جهة كالواضح لا يخفى على أحد، وهو من جهة كالغامض لا يدركه أحد، وكذلك العقل أيضا ظاهر بشواهد ومستور بذاته.
فأما أصحاب الطبائع فقالوا: إن الطبيعة لا تفعل شيئا لغير معنى ولا تتجاوز عما فيه تمام الشئ في طبيعته، وزعموا أن الحكمة تشهد بذلك. (1) فقيل لهم: فمن أعطى الطبيعة هذه الحكمة والوقوف على حدود الأشياء بلا مجاوزة لها، وهذا قد تعجز عنه العقول بعد طول التجارب؟ فإن أوجبوا للطبيعة الحكمة والقدرة على مثل هذه الأفعال فقد أقروا بما أنكروا لأن هذه هي صفات الخالق، وإن أنكروا أن يكون هذا للطبيعة فهذا وجه الخلق يهتف بأن الفعل لخالق الحكيم.
وقد كان من القدماء طائفة أنكروا العمد والتدبير في الأشياء وزعموا أن كونها بالعرض والاتفاق، وكان مما احتجوا به هذه الآفات التي تلد غير مجرى العرف والعادة كالانسان يولد ناقصا أو زائدا إصبعا، أو يكون المولود مشوها (2) مبدل الخلق، فجعلوا هذا دليلا على أن كون الأشياء ليس بعمد وتقدير، بل بالعرض كيف ما اتفق أن يكون.
وقد كان أرسطا طاليس رد عليهم فقال: إن الذي يكون بالعرض والاتفاق إنما هو شئ يأتي في الفرط مرة لاعراض تعرض للطبيعة فتزيلها عن سبيلها، وليس بمنزلة الأمور الطبيعية الجارية على شكل واحد جريا دائما متتابعا.
وأنت يا مفضل ترى أصناف الحيوان أن يجري أكثر ذلك على مثال ومنهاج واحد كالانسان يولد وله يدان ورجلان وخمس أصابع كما عليه الجمهور من الناس، فأما ما يولد على خلاف ذلك فإنه لعلة تكون في الرحم أو في المادة التي ينشأ منها الجنين، كما يعرض في الصناعات حين يتعمد الصانع الصواب في صنعته فيعوق دون ذلك (3)

(1) وفي نسخة: وزعموا أن المحنة تشهد بذلك.
(2) أي مقبحا.
(3) عاقه يعوقه عن كذا: صرفه وثبطه وأخره عنه. والعائق: كل ما عاقك وشغلك.
(١٤٩)
مفاتيح البحث: الشهادة (2)، الوقوف (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309