بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٤٢
القياس القائم، فكان الصالح هو المرزوق، والطالح هو المحروم، وكان القوى يمنع من ظلم الضعيف، والمتهتك للمحارم يعاجل بالعقوبة، فيقال في جواب ذلك: ان هذا لو كان هكذا لذهب موضع الاحسان الذي فضل به الانسان على غيره من الخلق، و حمل النفس على البر والعمل الصالح احتسابا للثواب وثقة بما وعد الله منه، ولصار الناس بمنزلة الدواب التي تساس (1) بالعصا والعلف، ويلمع لها بكل واحد منهما ساعة فساعة فتستقيم على ذلك، ولم يكن أحد يعمل على يقين بثواب أو عقاب حتى كان هذا يخرجهم عن حد الانسية إلى حد البهائم، ثم لا يعرف ما غاب، ولا يعمل إلا على الحاضر، وكان يحدث من هذا أيضا أن يكون الصالح إنما يعمل الصالحات للرزق والسعة في هذه الدنيا، ويكون الممتنع من الظلم والفواحش إنما يعف عن ذلك لترقب عقوبة تنزل به من ساعته حتى يكون أفعال الناس كلها تجري على الحاضر لا يشوبها شئ من اليقين بما عند الله، ولا يستحقون ثواب الآخرة والنعيم الدائم فيها، مع أن هذه الأمور التي ذكرها الطاعن من الغنى والفقر والعافية والبلاء ليست بجارية على خلاف قياسه، بل قد تجري على ذلك أحيانا، والامر المفهوم، فقد ترى كثيرا من الصالحين يرزقون المال لضروب من التدبير، وكيلا يسبق إلى قلوب الناس أن الكفار هم المرزوقون، والأبرار هم المحرومون، فيؤثرون الفسق على الصلاح، وترى كثيرا من الفساق يعاجلون بالعقوبة إذا تفاقم طغيانهم وعظم ضررهم على الناس وعلى أنفسهم، كما عوجل فرعون بالغرق، وبخت نصر بالتيه، وبلبيس بالقتل، وإن امهل بعض الأشرار بالعقوبة واخر بعض الأخيار بالثواب إلى الدار الآخرة لأسباب تخفى على العباد لم يكن هذا مما يبطل التدبير، فإن مثل هذا قد يكون من ملوك الأرض ولا يبطل تدبيرهم، بل يكون تأخيرهم ما أخروه أو تعجيلهم ما عجلوه داخلا في صواب الرأي والتدبير، وإذا كانت الشواهد تشهد وقياسهم يوجب أن للأشياء خالقا حكيما قادرا فما يمنعه أن يدبر خلقه فإنه لا يصح في قياسهم أن يكون الصانع يهمل صنعته إلا بإحدى ثلاث خلال: إما عجز، وإما جهل، وإما شرارة، وكل هذه محال في صنعته عز وجل

(1) ساس الدوب أي قام عليها وراضها.
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309