وترى الحب مقسوما أقساما، وكل قسم منها ملفوفا بلفائف من حجب منسوجة أعجب النسج وألطفه، وقشره يضم ذلك كله، فمن التدبير في هذه الصنعة أنه لم يكن يجوز أن يكون حشو الرمانة من الحب وحده، وذلك أن الحب لا يمد بعضه بعضا فجعل ذلك الشحم خلال الحب ليمده بالغذاء، ألا ترى أن أصول الحب مركوزة في ذلك الشحم؟
ثم لف بتلك اللفائف لتضمه وتمسكه فلا يضطرب، وغشي فوق ذلك بالقشرة المستحصفة ليصونه ويحصنه من الآفات، فهذا قليل من كثير وهي وصف الرمانة وفيه أكثر من هذا لمن أراد الاطناب والتذرع في الكلام، ولكن فيما ذكرت لك كفاية في الدلالة والاعتبار.
بيان: قوله عليه السلام: معجما لعل المراد شدة ارتباطها قال الفيروزآبادي: باب معجم كمكرم: مقفل. انتهى. ويحتمل أن يكون كناية عن خفائها كقوله صلى الله عليه وآله:
صلاة النهار عجماء. وقوله عليه السلام: إن عاق دون الغرس أي غرس الأغصان عائق تغرس النوى بدلها. والشدخ: الكسر والغمز، والمشدخ هو بسر يغمز وييبس للشتاء. والدلب بالضم: الصنار (1) قوله عليه السلام: فيحتبس الحرارة الغريزية يدل على أن الحرارة الغريزية لا يختص بالحيوان، بل يوجد في النبات أيضا كما صرح به جماعة من المحققين.
ويقال: رصفت الحجارة في البناء رصفا أي ضممت بعضها إلى بعض. واستحصف: استحكم.
والتذرع: كثرة الكلام والافراط فيه.
فكر يا مفضل في حمل اليقطين الضعيف مثل هذه الثمار الثقيلة من الدباء والقثاء والبطيخ، وما في ذلك من التدبير والحكمة فإنه حين قدر أن يحتمل مثل هذه الثمار جعل نباته منبسطا على الأرض، ولو كان ينتصب قائما كما ينتصب الزرع والشجر لما استطاع أن يحمل مثل هذه الثمار الثقيلة، ولينقصف قبل إدراكها وانتهائها إلى غايتها.
فانظر كيف صار يمتد على وجه الأرض ليلقى عليها ثمارها فتحملها عنه فترى الأصل من القرع والبطيخ مفترشا للأرض، ثماره مبثوثة عليها وحواليه كأنه هرة ممتدة وقد اكتنفتها أجراؤها لترضع منها.