بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٣١
الدائم كحاجة الحيوان ولم يكن لها أفواه كأفواه الحيوان ولا حركة تنبعث بها لتناول الغذاء جعلت أصولها مركوزة في الأرض لتنزع منها الغذاء فتؤديه إلى الأغصان وما عليها من الورق والثمر فصارت الأرض كالأم المربية لها، وصارت أصولها التي هي كالأفواه ملتقمة للأرض (1) لتنزع منها الغذاء كما يرضع أصناف الحيوان أمهاتها.
ألا ترى إلى عمد الفساطيط والخيم كيف تمد بالأطناب من كل جانب لتثبت منتصبة فلا تسقط ولا تميل فهكذا تجد النبات كله له عروق منتشرة في الأرض ممتدة إلى كل جانب لتمسكه وتقيمه، ولولا ذلك كيف كان يثبت هذا النخل الطوال والدوح العظام في الريح العاصف، فانظر إلى حكمة الخلقة كيف سبقت حكمة الصناعة فصارت الحيلة التي تستعملها الصناع في ثبات الفساطيط والخيم متقدمة في خلق الشجر لان خلق الشجر قبل صنعة الفساطيط والخيم ألا ترى عمدها وعيدانها من الشجر؟ فالصناعة مأخوذة من الخلقة.
بيان: ينسفه بالكسر أي يقلعه. وبشم الحيوان بشما من باب تعب: اتخم من كثرة الاكل. والكدح: العمل والسعي. والشقا: الشدة والعسر شقى كرضى. والدوح بفتح الدال وسكون الواو جمع الدوحة، وهي الشجرة العظيمة.
تأمل يا مفضل خلق الورق فإنك ترى في الورقة شبه العروق مبثوثة فيها أجمع فمنها غلاظ ممتدة في طولها وعرضها، ومنها دقاق تتخلل الغلاظ منسوجة نسجا دقيقا معجما لو كان مما يصنع بالأيدي كصنعة البشر لما فرغ من ورق شجرة واحدة في عام كامل، ولاحتيج إلى آلات وحركة وعلاج وكلام فصار يأتي منه في أيام قلائل من الربيع ما يملا الجبال والسهل وبقاع الأرض كلها بلا حركة ولا كلام إلا بالإرادة النافذة في كل شئ والامر المطاع.
واعرف مع ذلك العلة في تلك العروق الدقاق فإنها جعلت تتخلل الورقة بأسرها لتسقيها وتوصل الماء إليها بمنزلة العروق المبثوثة في البدن لتوصل الغذاء إلى كل جزء منها وفي الغلاظ منها معنى آخر فإنها تمسك الورقة بصلابتها ومتانتها لئلا

(1) التقم الطعام، ابتلعه أو في مهلة.
(١٣١)
مفاتيح البحث: الرضاع (1)، الأكل (1)، الطعام (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309