تنهتك وتتمزق فترى الورقة شبيهة بورقة معمولة بالصنعة من خرق قد جعلت فيها عيدان ممدودة في طولها وعرضها لتتماسك فلا تضطرب فالصناعة تحكي الخلقة وإن كانت لا تدركها على الحقيقة.
فكر في هذا العجم والنوى والعلة فيه فإنه جعل في جوف الثمرة ليقوم مقام الغرس إن عاق دون الغرس عائق، كما يحرز الشئ النفيس الذي تعظم الحاجة إليه في مواضع آخر، فإن حدث على الذي في بعض المواضع منه حادث وجد في موضع آخر، ثم بعد يمسك بصلابته رخاوة الثمار ورقتها، ولولا ذلك لتشدخت وتفسخت وأسرع إليه الفساد، وبعضه يؤكل ويستخرج دهنه فيستعمل منه ضروب من المصالح، وقد تبين لك موضع الإرب في العجم والنوى.
فكر الآن في هذا الذي تجده فوق النواة من الرطبة وفوق العجم من العنبة فما العلة فيه؟ ولماذا يخرج في هذه الهيئة؟ وقد كان يمكن أن يكون مكان ذلك ما ليس فيه مأكل كمثل ما يكون في السرو والدلب وما أشبه ذلك، فلم صار يخرج فوقه هذه المطاعم اللذيذة إلا ليستمتع بها الانسان؟.
فكر في ضروب من التدبير في الشجر فإنك تراه يموت في كل سنة موتة، فيحتبس الحرارة الغريزية في عوده ويتولد فيه مواد الثمار ثم تحيى وتنتشر فتأتيك بهذه الفواكه نوعا بعد نوع كما تقدم إليك أنواع الأطبخة (1) التي تعالج بالأيدي واحدا بعد واحد، فترى الأغصان في الشجر تتلقاك ثمارها حتى كأنها تناولكها عن يد، وترى الرياحين تلقاك في أفنانها كأنها تجيئك بأنفسها، فلمن هذا التقدير إلا لمقدر حكيم؟ وما العلة فيه إلا تفكية الانسان بهذه الثمار والأنوار؟ (2) والعجب من أناس جعلوا مكان الشكر على النعمة جحود المنعم بها!.
اعتبر بخلق الرمانة وما ترى فيها من أثر العمد والتدبير فإنك ترى فيها كأمثال التلال من شحم مركوم في نواحيها، وحبا مرصوفا رصفا كنحو ما ينضد بالأيدي (3)