ومسخه وصار في الوحش في صورة أسد وهو مع ذلك يعقل ما يفعله الانسان، ثم رده الله تعالى إلى صورة الانس وأعاد إليه ملكه فلما عاد إلى ملكه أراد قتل دانيال فقتله الله على يد واحد من غلمانه، (1) وقيل في سبب قتله: إن الله أرسل عليه بعوضة فدخلت في منخره وصعدت إلى رأسه فكان لا يقر ولا يسكن حتى يدق رأسه فمات من ذلك. وبلبيس غير معروف عند المؤرخين. والتطاول هنا مبالغة في الطول بمعنى الفضل والاحسان. ودخلة الرجل مثلثة: نيته ومذهبه وجمع أمره وبطانته. قوله عليه السلام: والشاهد المحنة أي بالشاهد يمكن امتحان الغائب.
واعلم يا مفضل إن اسم هذا العالم بلسان اليونانية الجاري المعروف عندهم " قوسموس " (2) وتفسيره " الزينة " وكذلك سمته الفلاسفة ومن ادعى الحكمة أفكانوا يسمونه بهذا الاسم إلا لما رأوا فيه من التقدير والنظام؟ فلم يرضوا أن يسموه تقديرا ونظاما حتى سموه زينة ليخبروا أنه مع ما هو عليه من الصواب والاتقان على غاية الحسن والبهاء.
أعجب يا مفضل من قوم لا يقضون صناعة الطب بالخطأ وهم يرون الطبيب يخطئ، ويقضون على العالم بالاهمال ولا يرون شيئا منه مهملا. بل أعجب من أخلاق من ادعى الحكمة حتى جهلوا مواضعها في الخلق فأرسلوا ألسنتهم بالذم للخالق جل وعلا. بل العجب من المخذول " ماني " حين ادعى علم الاسرار وعمي عن دلائل الحكمة في الخلق حتى نسبه إلى الخطأ ونسب خالقه إلى الجهل تبارك الحليم الكريم. وأعجب منهم جميعا المعطلة الذين راموا أن يدرك بالحس ما لا يدرك بالعقل فلما أعوزهم (3) ذلك خرجوا إلى الجحود والتكذيب فقالوا: ولم لا يدرك بالعقل؟ قيل: لأنه فوق مرتبة العقل كما لا يدرك البصر ما هو فوق مرتبته فإنك لو رأيت حجرا يرتفع في الهواء علمت أن راميا رمى به فليس هذا العلم من قبل البصر بل من قبل العقل لان العقل هو الذي يميزه فيعلم أن الحجر لا يذهب علوا من تلقاء نفسه، أفلا ترى كيف وقف البصر