بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٢٦
احتاج إلى ما يعضه ويؤلمه ليرعوي ويقصر عن مساويه ويثبته على ما فيه حظه ورشده، ولو أن ملكا من الملوك قسم في أهل مملكته قناطير من ذهب وفضة ألم يكن سيعظم عندهم ويذهب له به الصوت؟ فأين هذا من مطرة رواء؟ (1) إذ يعمر به البلاد ويزيد في الغلات أكثر من قناطير الذهب والفضة في أقاليم الأرض كلها.
أفلا ترى المطرة الواحدة ما أكبر قدرها وأعظم النعمة على الناس فيها وهم عنها ساهون! وربما عاقت عن أحدهم حاجة لا قدر لها فيذمر (2) ويسخط إيثارا للخسيس قدره على العظيم نفعه جهلا بمحمود العاقبة وقلة معرفة لعظيم الغناء والمنفعة فيها. تأمل نزوله على الأرض والتدبير في ذلك، فإنه جعل ينحدر عليها من علو ليتفشى ما غلظ وارتفع منها فيرويه، ولو كان إنما يأتيها من بعض نواحيها لما علا على المواضع المشرفة منها و يقل ما يزرع في الأرض.
ألا ترى أن الذي يزرع سيحا (3) أقل من ذلك فالأمطار هي التي تطبق الأرض، وربما تزرع هذه البراري الواسعة وسفوح الجبال وذراها (4) فتغل الغلة الكثيرة، (5) وبها يسقط عن الناس في كثير من البلدان مؤونة سياق الماء من موضع إلى موضع، وما يجري في ذلك بينهم من التشاجر والتظالم حتى يستأثر بالماء ذووا العزة والقوة ويحرمه الضعفاء.
ثم إنه حين قدر أن ينحدر على الأرض انحدارا جعل ذلك قطرا شبيها بالرش ليغور في قطر الأرض فيرويها، ولو كان يسكبه انسكابا كان ينزل على وجه الأرض فلا يغور فيها ثم كان يحطم الزرع القائمة إذا اندفق عليها فصار ينزل نزولا رقيقا (6) فينبت الحب المزروع، ويحيي الأرض والزرع القائم، وفي نزوله أيضا مصالح أخرى فإنه يلين الأبدان، ويجلو كدر الهواء فيرتفع الوباء الحادث من ذلك، ويغسل ما يسقط على

(1) على زنة " حياء ": الماء الكثير المشبع.
(2) في بعض النسخ " يتذمر ويسخط إيثارا للخسيس قدره على العظيم نفعه جميلا محمود العاقبة وقلة معرفته لعظيم الغناء والمنفعة فيها. " (3) السيح: الماء الجاري على وجه الأرض.
(4) سفح الجيل: أصله وأسفله. عرضه ومضطجعه الذي ينصب الماء. وذرو الجبل: أعلاه.
(5) وفي نسخة: فتقل الغلة الكثيرة.
(6) وفي نسخة: فصار ينزل نزولا رفيقا.
(١٢٦)
مفاتيح البحث: الجهل (1)، الوسعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309