إلى العراق (1) فإن هذه التجارات لو لم يكن لها محمل إلا على الظهر لبارت (2) وبقيت في بلدانها وأيدي أهلها لان أجر حملها كان يجاوز أثمانها فلا يتعرض أحد لحملها، وكان يجتمع في ذلك أمران: أحدهما فقد أشياء كثيرة تعظم الحاجة إليها، والآخر انقطاع معاش من يحملها ويتعيش بفضلها، وهكذا الهواء لولا كثرته وسعته لاختنق (3) هذا الأنام من الدخان والبخار التي يتحير فيه، ويعجز عما يحول إلى السحاب والضباب أولا أولا وقد تقدم من صفته ما فيه كفاية.
والنار أيضا كذلك فإنها لو كانت مبثوثة كالنسيم والماء كانت تحرق العالم وما فيه، ولم يكن بد من ظهورها في الأحايين لغنائها في كثير من المصالح فجعلت كالمخزونة في الأخشاب، (4) تلتمس عند الحاجة إليها، وتمسك بالمادة والحطب ما احتيج إلى بقائها لئلا تخبو، (5) فلا هي تمسك بالمادة والحطب فتعظم المؤونة في ذلك، ولا هي تظهر مبثوثة فتحرق كل ما هي فيه بل هي على تهيئة وتقدير اجتمع فيها الاستمتاع بمنافعها والسلامة من ضررها. ثم فيه خلة أخرى وهي أنها مما خص به الانسان دون جميع الحيوان لما له فيها من المصلحة فإنه لو فقد النار لعظم ما يدخل عليه من الضرر في معاشه فأما البهائم فلا تستعمل النار ولا تستمتع بها، ولما قدر الله عز وجل أن يكون هذا هكذا خلق للانسان كفا وأصابع مهيأة لقدح النار واستعمالها، ولم يعط البهائم مثل ذلك لكنها أعينت بالصبر على الجفاء والخلل في المعاش لكيلا ينالها في فقد النار ما ينال الانسان.
وأنبئك من منافع النار على خلقة صغيرة عظيم موقعها، وهي هذا المصباح الذي يتخذه الناس فيقضون به حوائجهم ما شاؤوا من ليلهم، ولولا هذه الخلة لكان الناس تصرف أعمارهم بمنزلة من في القبور، فمن كان يستطيع أن يكتب أو يحفظ أو ينسج