بعد الجوزاء وطلوعه في شدة الحر وهما الشعريان والشعرى العبور التي في الجوزاء، والشعرى: القميصاء التي في الذراع تزعم العرب أنهما أختا سهيل، انتهى. والقفار جمع قفر، وهو الخلا من الأرض. وخطف البرق البصر: ذهب به. ووهج النار - بالتسكين -:
توقدها. وقوله. حثيثا أي مسرعا. وتجافى أي لم يلزم مكانه. وبرح مكانه: زال عنه.
فكر يا مفضل في مقادير النهار والليل كيف وقعت على ما فيه صلاح هذا الخلق فصار منتهى كل واحد منهما إذا امتد إلى خمس عشرة ساعة لا يجاوز ذلك، أفرأيت لو كان النهار يكون مقداره مائة ساعة أو مائتي ساعة ألم يكن في ذلك بوار (1) كل ما في الأرض من حيوان ونبات؟.
أما الحيوان فكان لا يهدأ ولا يقر طول المدة، ولا البهائم كانت تمسك عن الرعي لو دام لها ضوء النهار، ولا الانسان كان يفتر عن العمل والحركة، وكان ذلك سيهلكها أجمع ويؤديها إلى التلف، وأما النبات فكان يطول عليه حر النهار ووهج الشمس حتى يجف ويحترق، وكذلك الليل لو امتد مقدار هذه المدة كان يعوق أصناف الحيوان عن الحركة والتصرف في طلب المعاش حتى تموت جوعا، وتخمد الحرارة الطبيعية من النبات حتى يعفن ويفسد، كالذي تراه يحدث على النبات إذا كان في موضع لا تطلع عليه الشمس.
اعتبر بهذه الحر والبرد كيف يتعاوران العالم ويتصرفان هذا التصرف من الزيادة والنقصان والاعتدال لإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة وما فيهما من المصالح ثم هما بعد دباغ الأبدان التي عليها بقاؤها وفيها صلاحها فإنه لولا الحر والبرد وتداولهما الأبدان لفسدت وأخوت وانتكثت.
فكر في دخول أحدهما على الآخر بهذا التدريج والترسل فإنك ترى أحدهما ينقص شيئا بعد شئ، والآخر يزيد مثل ذلك حتى ينتهي كل واحد منهما منتهاه في الزيادة والنقصان، ولو كان دخول إحديهما على الأخرى مفاجأة لأضر ذلك بالأبدان وأسقمها كما أن أحدكم لو خرج من حمام حار إلى موضع البرودة لضره ذلك وأسقم