بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١١٢
فكر يا مفضل في طلوع الشمس وغروبها لإقامة دولتي النهار والليل فلولا طلوعها لبطل أمر العالم كله فلم يكن الناس يسعون في معايشهم ويتصرفون في أمورهم والدنيا مظلمة عليهم، ولم يكونوا يتهنؤون بالعيش مع فقدهم لذة النور وروحه، والإرب في طلوعها ظاهر مستغن بظهوره عن الاطناب في ذكره والزيادة في شرحه بل تأمل المنفعة في غروبها، فلولا غروبها لم يكن للناس هدء ولا قرار مع عظم حاجتهم إلى الهدوء والراحة لسكون أبدانهم وجموم حواسهم وانبعاث القوة الهاضمة لهضم الطعام وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء ثم كان الحرص يستحملهم من مداومة العمل ومطاولته على ما يعظم نكايته في أبدانهم فإن كثيرا من الناس لولا جثوم هذا الليل لظلمته عليهم لم يكن لهم هدء ولا قرار حرصا على الكسب والجمع والادخار ثم كانت الأرض تستحمي بدوام الشمس بضيائها وتحمي كل ما عليها من حيوان ونبات فقدرها الله بحكمته وتدبيره تطلع وقتا وتغرب وقتا بمنزلة سراج يرفع لأهل البيت تارة ليقضوا حوائجهم ثم يغيب عنهم مثل ذلك ليهدؤوا ويقروا فصار النور والظلمة مع تضادهما منقادين متظاهرين على بما فيه صلاح العالم وقوامه.
ثم فكر بعد هذا في ارتفاع الشمس وانحطاطها لإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة وما في ذلك من التدبير والمصلحة، ففي الشتاء تعود الحرارة في الشجر والنبات فيتولد فيهما مواد الثمار، ويستكثف الهواء فينشأ منه السحاب والمطر، وتشد أبدان الحيوان وتقوي، وفي الربيع تتحرك وتظهر المواد المتولدة في الشتاء فيطلع النبات، وتنور الأشجار، ويهيج الحيوان للسفاد، وفي الصيف يحتدم الهواء فتنضج الثمار، وتتحلل فضول الأبدان، ويجف وجه الأرض فتهيأ للبناء والاعمال، وفي الخريف يصفو الهواء، ويرتفع الأمراض، ويصح الأبدان ويمتد الليل فيمكن فيه بعض الاعمال لطوله، و يطيب الهواء فيه إلى مصالح أخرى لو تقصيت لذكرها لطال فيها الكلام.
فكر الآن في تنقل الشمس في البروج الاثني عشر لإقامة دور السنة، وما في ذلك من التدبير فهو الدور الذي تصح به الأزمنة الأربعة من السنة: الشتاء، والربيع، والصيف، والخريف، ويستوفيها على التمام، وفي هذا المقدار من دوران الشمس تدرك
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309