بدنه فلم جعل الله عز وجل هذا الترسل في الحر والبرد إلا للسلامة من ضرر المفاجأة؟
ولم جرى الامر على ما فيه السلامة من ضر المفاجأة لولا التدبير في ذلك؟ فإن زعم زاعم أن هذا الترسل في دخول الحر والبرد إنما يكون لابطاء مسير الشمس في الارتفاع والانحطاط سئل عن العلة في إبطاء مسير الشمس في ارتفاعها وانحطاطها، فإن اعتل في الابطاء ببعد ما بين المشرقين سئل عن العلة في ذلك فلا تزال هذه المسألة ترقى معه إلى حيث رقى من هذا القول حتى استقر على العمد والتدبير، لولا الحر لما كانت الثمار الجاسية المرة تنضج فتلين وتعذب حتى يتفكه بها رطبة ويابسة، ولولا البرد لما كان الزرع يفرخ هكذا، ويريع الريع الكثير الذي يتسع للقوت وما يرد في الأرض للبذر أفلا ترى ما في الحر والبرد من عظيم الغناء والمنفعة وكلاهما مع غنائه والمنفعة فيه يؤلم الأبدان ويمضها، وفي ذلك عبرة لمن فكر، ودلالة على أنه من تدبير الحكيم في مصلحة العالم وما فيه.
بيان: قوله عليه السلام: لا يجاوز ذلك أي في معظم المعمورة. وقال الفيروزآبادي:
خوت الدار: تهدمت، والنجوم خيا: أمحلت فلم تمطر كأخوت. وقال: المنتكث:
المهزول. وقال: الترسل: الرفق والتؤدة. انتهى. قوله عليه السلام: ببعد ما بين المشرقين أي المشرق والمغرب، كناية عن عظم الدائرة التي يقطع عليها البروج أو مشرق الصيف والشتاء، والأول أظهر. قوله عليه السلام: الجاسية أي الصلبة. ويتفكه بها أي يتمتع بها. والريع:
النماء والزيادة. وقال الجوهري: أمضني الجرح إمضاضا: إذا أوجعك، وفيه لغة أخرى:
مضني الجرح، ولم يعرفها الأصمعي.
وأنبهك يا مفضل على الريح وما فيها ألست ترى ركودها إذا ركدت كيف يحدث الكرب الذي يكاد أن يأتي على النفوس، ويحرض الأصحاء وينهك المرضى، ويفسد الثمار، ويعفن البقول، ويعقب الوباء في الأبدان، والآفة في الغلات؟ ففي هذا بيان أن هبوب الريح من تدبير الحكيم في صلاح الخلق.
وأنبئك عن الهواء بخلة أخرى فإن الصوت أثر يؤثره اصطكاك الأجسام في الهواء، والهواء يؤديه إلى المسامع، والناس يتكلمون في حوائجهم ومعاملاتهم طول