وهل يجوز من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أن يكون حب أبي بكر وعمر لمصالح الدين أعظم من حب أمير المؤمنين وسيد الزاهدين لها؟ حتى تحتاج إلى الإهانة والتهديد وسوقهما إياه إلى البيعة؟
مع أن البخاري نقل في أواخر صحيحه باسناده عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من رأى من اميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات الا مات ميتة جاهلية. وفيه أيضا بسند آخر هذا الحديث (1).
العجب كل العجب أن ابن أبي الحديد يعد هاهنا إهانتهما عليا وفاطمة عليهما السلام، من الأمور المغفورة، مع أنه قال في الجزء العشرين من شرحه في شرح قوله عليه السلام (يهلك في رجلان: محب مفرط، وباهت مفتر) وقوله (يهلك في اثنان: محب غال، ومبغض قال) قال: خلاصة هذا القول أن الهالك فيه المفرط والمفرط، إلى أن قال:
وأما المفرط، فمن استنقص به عليه السلام، أو أبغضه، أو حاربه، أو أضمر له غلا.
ولهذا كان أصحابنا أصحاب النجاة والخلاص والفوز في هذه المسألة، لأنهم سلكوا طريقة مقتصدة، قالوا: هو أفضل الخلق في الآخرة، وأعلاهم منزلة في الجنة، وأفضل الخلق في الدنيا، وأكثرهم خصائص ومزايا ومناقب، وكل من عاداه أو حاربه أو أبغضه، فإنه عدو لله سبحانه، وخالد في النار مع الكفار والمنافقين، الا أن يكون ممن قد ثبت توبته، ومات على توليه وحبه.
وأما الأفاضل من المهاجرين والأنصار الذين ولوا الإمامة قبله، فلو أنه أنكر إمامتهم وغضب عليهم، وسخط فعلهم، فضلا عن أن يشهر عليهم السيف، أو يدعو إلى نفسه، لقلنا انهم من الهالكين، كما لو غضب عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: حربك حربي وسلمك سلمي، وانه قال صلى الله عليه وآله:
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وقال: لا يحبك الا مؤمن، ولا يبغضك الا