أنيب.
وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين، يتخذكم لجأ فتكونوا حصنه المنيع، وخطبه البديع، فإما دخلتم فيما دخل فيه الناس، أو صرفتموهم عما مالوا إليه، فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا، ولمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول الله صلى الله عليه وآله، وإن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله صلى الله عليه وآله ومكان أهلك، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم وعلى رسلكم بني هاشم، فان رسول الله صلى الله عليه وآله منا ومنكم.
فاعترض كلامه عمر، وخرج إلى مذهبه في الخشونة والوعيد، واتيان الأمر من أصعب جهاته، فقال: أي والله وأخرى انا لم نأتكم حاجة إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم، فيتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا لأنفسكم ولعامتهم، ثم سكت.
فتكلم العباس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ان الله ابتعث محمدا نبيا كما وصفت، ووليا للمؤمنين، فمن الله به على أمته حتى اختار له ما عنده، فخلى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم، مصيبين للحق، مائلين عن زيغ الهوى، فان كنت برسول الله صلى الله عليه وآله طلبت فحقنا أخذت، وان كنت بالمؤمنين فنحن منهم، ما تقدمنا في أمركم فرطا، ولا حللنا وسطا، ولا نزحنا شحطا.
فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين فما وجب، إذ كنا كارهين، وما أبعد قولك انهم طعنوا عليك (1) من قولك انهم مالوا إليك. وأما ما بذلت لنا، فان يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك، وان يكن حق المؤمنين، فليس لك أن تحكم فيه، وان يكن حقنا لم نرض منك ببعضه دون بعض، وما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن للحجة نصيبها من البيان.