الاجماع مختلفون.
ويمكن الجواب عنه بوجه آخر، وهو أن نقول: القاطع من الكتاب والسنة الذي أجمعوا على تقديم الاجماع عليه، هل يجري فيه احتمال النسخ أولا يجري؟ فعلى الأول ليس بقطعي، لأن مع احتمال النسخ غايته إفادة الظن، فلا يفيد اتفاقهم على تقديم الاجماع عليه أن يكون الاجماع قطعيا، ولا يلزم منه تعارض الاجماعين.
وعلى الثاني وقوع التعارض محال، لأنه على هذا التقدير يفيد العلم والقطع، فلو كان الاجماع المعارض له أيضا قطعيا مفيدا للعلم، لزم تحقق العلم بالنقيضين، وهو محال.
وإذا عرفت ما تلوناه عليك، فاعلم أنا لو سلمنا ثبوت الاجماع في نفسه، فالعلم به محال، لأن العادة قاضية بأنه لا يتفق أن يثبت عن كل واحد من علماء الشرق والغرب، أنه حكم في المسألة الفلانية بالحكم الفلاني، ومن أنصف من نفسه جزم بأنهم لا يعرفون بأعيانهم فضلا عن تفاصيل أحكامهم.
هذا، مع جواز خفاء بعضهم عمدا، لئلا يلزم الموافقة، أو المخالفة، أو انقطاعه لطول غيبته فلا يعلم له خبر، أو أسروا في مطمورة أو خمولة فلا يعرف له أثر، أو كذبه في قوله (رأيي في هذه المسألة كذا) والعبرة بالرأي لا باللفظ، وان صدق فيما قال، لكنه لا يمكن السماع منهم في آن واحد، بل في زمان متطاول، فربما يتغير اجتهاد بعض، فيرجع عن ذلك الرأي قبل قول الاخر به، فلا يجتمعون على قول في عصر.
وان سلمنا العلم بالاجماع، فنقله إلى من يجتمع به ممتنع، لأن الآحاد لا تفيد، إذ لا يجب العمل به في الاجماع، فتعين التواتر، ولا يتصور، إذ يجب فيه استواء الطرفين والواسطة، ومن المحال عادة أن يشاهد أهل التواتر جميع المجتهدين شرقا وغربا، ويسمعوا منهم وينقلوا عنهم إلى أهل التواتر (1)، هكذا طبقة بعد طبقة إلى