فيعمل بالأول في حقوقه تعالى وفي الثاني في حقوق العباد، فإذا أمكن مثل ذلك لم يجز طرح أحدهما مع صحته.
وكذا لو كان لأحدهما وجه من التأويل وجب تأويله والعمل بالاخر، سيما إذا عضد التأويل دليل أو حديث آخر.
وإنما يكمل للجمع العلماء الجامعون بين الحديث والفقه والأصول الأذكياء الغواصون على المعاني.
وأحسن ما صنف فيه عندنا كتاب الاستبصار، فإنه لم يشذ عنه الا القليل.
ومن تبصر في مطالعته لم يكد يخفى عنه وجه الجمع بين حديثين وإن كان الشيخ رحمه الله أتى فيه بأشياء يمكن الجمع بالحمل منهما وبأشياء غير مرضية، لكنه سباق الغاية في ذلك وإنما يمشي الماشي بعده على أثره ويستضئ بنوره.
وقد ألف الشافعي للعامة فيه شيئا " لم يستوف ما هناك ولكنه نبههم على الطريق، وصنف لهم بعده ابن قتيبة فأتى بأشياء مرضية وغير مرضية.
(القسم الثالث) أن يترجح أحدهما على الاخر بوجه من التراجيح المقررة في الأصول الراجعة إلى سنده أو متنه أو زمانه أو حكمه أو نحو ذلك. وقد كفانا الأصوليون البحث عن وجوهه.
وأما حقيقته فهو عبارة عن النظر والفحص عما يتقوى به كل واحد منهما ثم الموازنة بين المرجحات والحكم لما كان مرجحاته أكثر وأقوى. وهذه لجة عميقة بل مجر متسع لا يكاد يدرك قراره.
وكثير من الاختلاف حصل باختلاف أنظار الفقهاء في ذلك، حيث أن بعضهم قد يتفطن لمرجحات لم يتفطن لها الاخر، أو يترجح في نفسه قوة مرجح على آخر ويترجح العكس عند آخر، أو نحو ذلك.