عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور الأحسائي - ج ٢ - الصفحة ١٠٦
.....

وأما التبرأ فليس بصفة قولية فقط، بل يعود إلى المجانبة القلبية والعادات و البغض، وهو المنهي عنه ههنا، فهو أمر باطن يمكنهم الانتهاء عنه، ولا يلحقهم بسبب تركه وعدم امتثال الامر به ضرر، وكأنه لحظ فيهما قوله تعالى: " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان " الآية (انتهى).
وقال الفاضل ابن أبي الحديد: إنما استفحش عليه السلام البراءة، لأن هذه اللفظة ما وردت في القرآن العزيز إلا في المشركين، ألا ترى إلى قوله تعالى: " براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتهم من المشركين " وقال سبحانه: " إن الله برئ من المشركين و رسوله " فاذن يحمل هذا النهي على ترجيح تحريم لفظ البراءة على لفظ السب، وإن كان حكمهما واحدا في جوازهما حالة الاكراه.
وأما الامامية فتروي عنه عليه السلام أنه قال: إذا عرضتم على البراءة منا فمدوا الأعناق.
ويقولون: إنه لا يجوز التبري منه، وإن كان الحالف صادقا، وإن عليه الكفارة.
ويقولون: إن حكم البراءة من الله ورسوله والأئمة واحد.
ويقولون: إن الاكراه على السب يبيح إظهاره ولا يجوز الاستسلام للقتل معه، وأما الاكراه على البراءة فإنه يجوز معه الاستسلام للقتل.
هذا كلامه وهو حق، إلا أن الكفارة عندنا محمولة على الاستحباب. وأما كونه زكاة، فقال الشيخ ميثم طاب ثراه لوجهين:
أحدهما: ما روي في الحديث، ان ذكر المؤمن بسوء، هو زكاته. وذمه بما ليس فيه، زيادة في جاهه وشرفه.
الثاني: ان الطباع تحرص على ما تمنع منه وتلح فيه، فالناس لما منعوا من ذكر فضائله والموالاة له، والزموا سبه وبغضه، ازدادوا بذلك محبة له، وإظهارا لشرفه.
ولذلك سبوه بنو أمية ألف شهر على المنابر، فما زاد ذلك، ذكر علي، إلا علوا، ولا ازداد الناس في محبته إلا غلوا. والذي قطع سبه عمر بن عبد العزيز، ووضع مكان سبه من الخطبة " إن الله يأمر بالعدل والاحسان ". وأراد بالفطرة، فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهي بعثهم إلى عالم الأجساد، مأخوذا عليهم ميثاق العبودية.
واعترض بعض المحققين من شرح كلامه، بان هذا لا يختص به عليه السلام، لان كل أحد يولد على الفطرة لكن أبواه يهودانه وينصرانه.
وأجاب بأن مراده هنا بالولادة على الفطرة، انه لم يولد في الجاهلية، لأنه ولد لثلاثين عاما مضت من عام الفيل، والنبي صلى الله عليه وآله أرسل لأربعين عاما، مضت من عام الفيل، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه وآله مكث قبل الرسالة من سنين يسمع الصوت ويرى الضوء، ولا يخاطبه أحد، وكان ذلك إرهاصا لرسالته، فحكم تلك السنين العشر، حكم رسالته، فالمولود فيها، إذا كان في حجره، مولود في أيام كأيام النبوة، وليس بمولود في جاهلية محضة.
وفي المسألة تفسير آخر، وهو أن يعني بقوله عليه السلام ولدت على الفطرة التي لم تتغير، ولم يحل المانع بيني وبينها، مثل تربية الوالدين وغيرها.
وقيل: المراد بالفطرة، العصمة، وانه منذ ولد لم يواقع قبيحا، ولا كان كافرا طرفة عين ولا مخطئا (جه).
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»
الفهرست