حياة كل شئ، من: الزرع، والنبات، والأنعام، وكل الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا، والريح لو حبست إياه لفسدت الأشياء جميعا، وتغيرت، ثم الغيم والرعد والبرق والصواعق، كل ذلك إنما هو دليل على أن هناك مدبرا يدبر كل شئ ومن عنده ينزل، وقد كلم الله موسى وناجاه، ورفع الله عيسى بن مريم، والملائكة تتنزل من عنده، غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك، وفيما تراه بعينك كفاية أن تفهم وتعقل.
قال: فلو أن الله رد إلينا من الأموات في كل مائة عام واحدا لنسأله عن من مضى منا. إلى ما صاروا، وكيف حالهم، وماذا لقوا بعد الموت، وأي شئ صنع بهم، ليعمل الناس على اليقين، واضمحل الشك، وذهب الغل عن القلوب.
قال: إن هذه مقالة من أنكر الرسل وكذبهم، ولم يصدق بما جاءوا به من عند الله، إذ أخبروا وقالوا: أن الله أخبر في كتابه عز وجل على لسان أنبيائه، حال من مات منا، أفيكون أحد أصدق من الله قولا ومن رسله، وقد رجع إلى الدنيا ممن مات خلق كثير، منهم: (أصحاب الكهف) أماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث، ليقطع حجتهم، وليريهم قدرته وليعلموا أن البعث حق، وأمات الله (أرمياء) النبي عليه السلام الذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصر وقال: (أنى يحيي هذه الله بعد موتها) (فأماته الله مائة عام ثم أحياه) ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم، وكيف تلبس اللحم، وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل، فلما استوى قاعدا قال: (أعلم أن الله على كل شئ قدير) وأحيى الله قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون، لا يحصى عددهم، وأماتهم الله دهرا طويلا، حتى بليت عظامهم، وتقطعت أوصالهم، وصاروا ترابا، فبعث الله في وقت أحب أن يري خلقه قدرته، نبيا يقال له: (حزقيل) دعاهم فاجتمعت أبدانهم، ورجعت فيها أرواحهم، وقاموا كهيئة يوم ماتوا، لا يفقدون من أعدادهم رجلا، فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا، وأن الله أمات قوما خرجوا مع موسى عليه السلام حين توجه إلى الله فقالوا: (أرنا الله جهرة)