قال: إن من سجد بأمر الله، سجد لله، إذا كان عن أمر الله.
قال: فمن أين أصل الكهانة، ومن أين يخبر الناس بما يحدث؟
قال: إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم، فيخبرهم عن أشياء تحدث، وذلك من وجوه شتى، فراسة العين، وذكاء القلب، ووسوسة النفس، وفتنة الروح، مع قذف في قلبه، لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان ويؤديه إلى الكاهن، ويخبره بما يحدث في المنازل والأطراف، وأما أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك، وهي لا تحجب، ولا ترجم بالنجوم، وإنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء، فيلبس على أهل الأرض ما جائهم عن الله، لإثبات الحجة، ونفي الشبهة، وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها، ثم يهبط بها إلى الأرض، فيقذفها إلى الكاهن، فإذا قد زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل، فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما أداه إليه الشيطان لما سمعه، وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة، واليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخبارا للناس بما يتحدثون به، وما يحدثونه، والشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث، من سارق سرق ومن قاتل قتل، ومن غائب غاب، وهم بمنزلة الناس أيضا، صدوق وكذوب.
قال: وكيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود عليهما السلام من البناء ما يعجز عنه ولد آدم؟
قال: غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق، غذائهم النسيم، والدليل على كل ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع، ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها بسلم أو بسبب.
قال: فأخبرني عن السحر ما أصله، وكيف يقدر الساحر على ما يوصف