قال: فلأي علة خلق الخلق وهو غير محتاج إليهم، ولا مضطر إلى خلقهم، ولا يليق به التعبث بنا؟
قال: خلقهم لإظهار حكمته، وإنفاذ علمه، وإمضاء تدبيره.
قال: وكيف لا يقتصر على هذه الدار فيجعلها دار ثوابه، ومحتبس عقابه؟
قال: إن هذه الدار دار ابتلاء، ومتجر الثواب، ومكتسب الرحمة، ملئت آفات، وطبقت شهوات، ليختبر فيها عبيده بالطاعة، فلا يكون دار عمل دار جزاء.
قال: أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا، وقد كان ولا عدو له، فخلق كما زعمت (إبليس) فسلطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته، ويأمرهم بمعصيته وجعل له من القوة كما زعمت ما يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم، فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم، ويلبس عليهم دينهم، فيزيلهم عن معرفته، حتى أنكر قوم لما وسوس إليهم ربوبيته، وعبدوا سواه، فلم سلط عدوه على عبيده، وجعل له السبيل إلى إغوائهم؟
قال: إن هذا العدو الذي ذكرت لا تضره عداوته، ولا تنفعه ولايته، وعداوته لا تنقص من ملكه شيئا، وولايته لا تزيد فيه شيئا، وإنما يتقى العدو إذا كان في قوة يضر وينفع، إن هم بملك أخذه، أو بسلطان قهره، فأما إبليس فعبد خلقه ليعبده ويوحده، وقد علم حين خلقه ما هو وإلى ما يصير إليه، فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم، فامتنع من ذلك حسدا، وشقاوة غلبت عليه، فلعنه عند ذلك، وأخرجه عن صفوف الملائكة، وأنزله إلى الأرض ملعونا مدحورا فصار عدو آدم وولده بذلك السبب، ما له من السلطنة على ولده إلا الوسوسة، والدعاء إلى غير السبيل، وقد أقر مع معصيته لربه بربوبيته.
قال: أفيصلح السجود لغير الله؟
قال: لا.
قال: فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟