أفتأذن لي في الكلام؟
فقال: تكلم.
فقال: إلى كم تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر، وتهرولون حوله كهرولة البعير إذا نفر، إن من فكر في هذا وقدر، علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه، وأبوك أسسه ونظامه!
فقال أبو عبد الله: إن من أضله الله وأعمى قلبه، استوخم الحق ولم يستعذبه وصار الشيطان وليه، يورده مناهل الهلكة، ثم لا يصدره، وهذا بيت استعبد الله به عباده، ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثهم على تعظيمه وزيارته، جعله محل أنبيائه، وقبلة للمصلين له، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال، ومجتمع العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام، فأحق من أطيع فيما أمر وانتهى عما نهى عنه وزجر، الله المنشئ للأرواح والصور.
فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت الله فأحلت على الغائب.
فقال أبو عبد الله: ويلك! كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم، ويعلم أسرارهم؟!
فقال ابن أبي العوجاء: فهو في كل مكان، أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟
فقال أبو عبد الله عليه السلام: إنما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل من مكان اشتغل به مكان، وخلا منه مكان، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه، فأما الله العظيم الشأن، الملك الديان، فلا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان.
وروي أن الصادق عليه السلام قال لابن أبي العوجاء: إن يكن الأمر كما تقول - وليس كما نقول - نجونا ونجوت وإن يكن الأمر كما - نقول وهو كما