قوة البطش المعروف من الخلق، ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه واحتمل الزيادة، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان، وما كان ناقصا كان غير قديم، وما كان غير قديم كان عاجزا، فربنا تبارك وتعالى لا شبه له، ولا ضد ولا ند، ولا كيفية، ولا نهاية، ولا تصاريف، محرم على القلوب أن تحتمله، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الضمائر أن تصوره، عز وجل عن أداة خلقه، وسمات بريته، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
عن الريان بن شبيب (1) قال: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم ذلك، واستنكروا منه وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليه السلام، فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه، فقالوا: ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا عليه السلام فإنا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله، وينتزع منا عزا قد ألبسناه الله، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا وما كان عليه خلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت، وكفانا الله المهم من ذلك، فالله الله أن ترديا إلى غم قد انحسر عنا، واصرف رأيك عن ابن الرضا عليه السلام وأعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.
فقال لهم المأمون: أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكان أولى بكم، وأما ما كان يفعله من قبلي بهم، فقد كان به قاطعا للرحم، وأعوذ بالله من ذلك، ووالله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى، وكان أمر الله قدرا مقدورا.
وأما أبو جعفر محمد بن علي، فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل، مع صغر سنه والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس