يعقلون، فمن زعم أنهن لم يزلن معه فقد أظهر: أن الله ليس بأول قديم، ولا واحد، وأن الكلام لم يزل معه، وليس له بدء، وليس بآله.
قال أبو قرة: وإنا روينا: أن الكتب كلها تجئ يوم القيامة والناس في صعيد واحد، صفوف قيام لرب العالمين ينظرون حتى ترجع فيه، لأنها منه وهي جزء منه، فإليه تصير.
قال أبو الحسن عليه السلام: فهكذا قالت النصارى في المسيح أنه روحه، جزء منه ويرجع فيه، وكذلك قالت المجوس: في النار والشمس أنهما جزء منه ترجع فيه، تعالى ربنا أن يكون متجزيا، أو مختلفا، وإنما يختلف ويأتلف المتجزي، لأن كل متجزي متوهم، والكثرة والقلة مخلوقة دالة على خالق خلقها.
فقال أبو قرة: فإنا روينا: أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين، فقسم لموسى عليه السلام الكلام، ولمحمد صلى الله عليه وآله الرؤية.
فقال أبو الحسن عليه السلام: فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين الجن والإنس: أنه لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شئ. أليس محمد صلى الله عليه وآله؟
قال: بلى.
قال أبو الحسن: فكيف يجئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم: أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله، ويقول: أنه لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علما، وليس كمثله شئ، ثم يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطت به علما، وهو على صورة البشر، أما تستحيون؟! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا: أن يكون أتى عن الله بأمر ثم يأتي بخلافه من وجه آخر.
فقال أبو قرة: إنه يقول: (ولقد رآه نزلة أخرى) (1).
فقال أبو الحسن عليه السلام: إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال:
(ما كذب الفؤاد ما رأى) (2) يقول: ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وآله ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأت عيناه فقال: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) (3) فآيات الله