تحت قدميه، ولم تترك له مسلكا يسلكه.
وعن هشام بن الحكم قال: اجتمع ابن أبي العوجاء، وأبو شاكر الديصاني الزنديق، وعبد الملك البصري، وابن المقفع، عند بيت الله الحرام، يستهزؤن بالحاج ويطعنون بالقرآن.
فقال ابن أبي العوجاء: تعالوا ننقض كل واحد منا ربع القرآن، وميعادنا من قابل في هذا الموضع، نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كله، فإن في نقض القرآن إبطال نبوة محمد، وفي إبطال نبوته إبطال الإسلام، وإثبات ما نحن فيه، فاتفقوا على ذلك وافترقوا، فلما كان من قابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء:
أما أنا فمفكر منذ افترقنا في هذه الآية: (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) (1) فما أقدر أن أضم إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئا، فشغلتني هذه الآية عن التفكر في ما سواها.
فقال عبد الملك: وأنا منذر فارقتكم مفكر في هذه الآية (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له أن الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) (2) ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) (3) لم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال ابن المقفع: يا قوم إن هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: (وقيل يا أرض ابلعي مائك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين) (4) لم أبلغ غاية المعرفة بها، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.