بيت الله الحرام، فالتفت أبو عبد الله إلى جلسائه وقال: نشدتكم بالله هل تعلمون:
إن عبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل؟
قالوا: اللهم نعم.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: ويحك يا أبا حنيفة! إن الله لا يقول إلا حقا.
فقال أبو حنيفة: ليس لي علم بكتاب الله، إنما أنا صاحب قياس.
قال أبو عبد الله: فانظر في قياسك إن كنت مقيسا أيما أعظم عند الله القتل أو الزنا؟
قال: بل القتل.
قال: فكيف رضى في القتل بشاهدين، ولم يرض في الزنا إلا بأربعة؟ ثم قال له: الصلاة أفضل أم الصيام؟ قال: بل الصلاة أفضل.
قال عليه السلام: فيجب على قياس قولك على الحايض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام، وقد أوجب الله تعالى عليها قضاء الصوم دون الصلاة.
قال له: البول أقذر أم المني؟
قال البول أقذر.
قال عليه السلام: يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني، وقد وجب الله تعالى الغسل من المني دون البول.
قال: إنما أنا صاحب رأي.
قال عليه السلام: فما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة، فدخلا بامرأتيهما في ليلة واحدة ثم سافرا وجعلا امرأتيهما في بيت واحد وولدتا غلامين فسقط البيت عليهم، فقتل المرأتين وبقي الغلامان أيهما في رأيك المالك وأيهما المملوك وأيهما الوارث وأيهما الموروث؟
قال: إنما أنا صاحب حدود.
قال: فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح وأقطع قطع يد رجل، كيف يقام عليهما الحد.