لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد " وقوله: " اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون " فإن ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة، المراد: يكفر أهل المعاصي بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا، والكفر في هذه الآية: " البراءة " يقول: فيبرأ بعضهم من بعض، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان: " إني كفرت بما أشركتمون من قبل " وقول إبراهيم خليل الرحمن: " كفرنا بكم " يعني تبرأنا منكم.
ثم يجتمعون في مواطن أخر يبكون فيها، فلو أن تلك الأصوات فيها بدت لأهل الدنيا لا زالت جميع الخلق عن معايشهم، وانصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ولا يزالون يبكون حتى يستنفدوا الدموع، ويفضوا إلى الدماء.
ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه، فيقولون: " والله ربنا ما كنا مشركين " وهؤلاء خاصة هم: المقرون في دار الدنيا بالتوحيد، فلا ينفعهم إيمانهم بالله لمخالفتهم رسله، وشكهم فيما أتوا به عن ربهم، ونقضهم عهودهم في أوصيائهم واستبدا لهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، فكذبهم الله فيما انتحلوه من الإيمان بقوله: " انظر كيف كذبوا على أنفسهم " فيختم الله على أفواههم، ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود، فتشهد بكل معصية كانت منهم، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم: لم شهدتم علينا؟ قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ.
ثم يجتمعون في موطن آخر فيفر بعضهم من بعض لهول ما يشاهدونه من صعوبة الأمر، وعظم البلاء فذلك قوله عز وجل: " يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه الآية ".
ثم يجتمعون في موطن آخر يستنطق فيه أولياء الله وأصفياؤه، فلا يتكلم أحد إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، فيقام الرسل فيسألون عن تأدية الرسالة التي حملوها إلى أممهم، وتسأل الأمم فتجحد كما قال الله تعالى: " فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين " فيقولون: " ما جائنا من بشير ولا نذير " فتشهد