الطوائف التي آمنت به فارتد منهم ثلاثمائة رجل وقالوا: لو كان ما يدعيه نوح حقا لما وقع في عدته خلف.
ثم إن الله تعالى لم يزل يأمره عند إدراكها كل مرة أن يغرس (1) تارة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرات، وما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منهم طائفة بعد طائفة إلى أن عادوا إلى نيف وسبعين رجلا، فأوحى الله عز وجل عند ذلك إليه وقال: الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك (2) حين صرح الحق عن محضه وصفا الامر للايمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة.
فلو أني أهلكت الكفار وأبقيت من ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا لي التوحيد من قومك واعتصموا بحبل نبوتك، بأن أستخلفهم في الأرض، وأمكن لهم دينهم، وأبدل خوفهم بالأمن، لكي (3) تخلص العبادة لي بذهاب الشك من قلوبهم.
وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن مني لهم، مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا وخبث طينتهم، وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوخ (4) الضلالة، فلو أنهم تنسموا (5) من الملك الذي أوتي المؤمنون وقت الاستخلاف إذا هلكت (6) أعداؤهم (لنشقوا) (7) روائح صفاته (8)، ولاستحكم (سرائر) (9) نفاقهم، وتأبد خبال ضلالة قلوبهم، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرئاسة، والتفرد بالامر