قال الله تعالى: ﴿وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه﴾ (١) الآية، فاتفق أهل الاسلام على أن الوحي كان رؤيا مناما أو كلاما سمعته أم موسى في منامها على الاختصاص، قال الله تعالى: ﴿وأوحى ربك إلى النحل﴾ (٢) الآية، يريد به الإلهام الخفي، إذ كان [خاصا بمن] (٣) أفرده به دون من سواه، فكان علمه حاصلا للنحل بغير كلام جهز به المتكلم فأسمعه غيره.
وقال تعالى: ﴿وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم﴾ (٤) بمعنى ليوسوسون (٥) إلى أوليائهم بما يلقونه من الكلام في أقصى أسماعهم، فيخصون بعلمهم (٦) دون من سواهم، وقال سبحانه: ﴿فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم﴾ (7) يريد به أشار إليهم من غير إفصاح الكلام، شبه ذلك بالوحي لخفائه عمن سوى المخاطبين، ولستره (8) عمن سواهم.
وقد يري الله سبحانه وتعالى في المنام خلقا كثيرا ما يصح تأويله [ويثبت حقه] (9) لكنه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي، ولا يقال في هذا الوقت لمن طبعه (10) الله على علم شئ أنه يوحى إليه. وعندنا أن الله تعالى يسمع الحجج بعد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم كلاما يلقيه إليهم (11) في علم ما يكون، لكنه لا يطلق عليه اسم الوحي لما قدمناه (12) من إجماع المسلمين على أنه لا وحي [إلى أحد] (13) بعد